الحرية لعلي أنوزلا

الاثنين، 25 يونيو 2012

من المغرب إلى مصر.. ألف مبروك



بعد أشهر من ترقب الانتخابات الرئاسية، أخير تنفس الشعب المصري، ومعه باقي الشعوب العربية والإسلامية والعالم بأسره الصعداء، من الإعلان عن رئيس الجمهورية، بعدما كانت التأويلات والإعلانات الأولى تغلّب تارة مترشح حزب العدالة والحرية الدكتور محمد مرسي، وتارة أخرى مترشح "العسكر" أو "الفلول" الفريق أحمد شفيق.
سيبقى يوم الأحد 24 يونيو 2012، يوما تاريخيا، حيث تم فيه الإعلان عن الفائز بالانتخابات المصرية، بعد شد وجذب أيام الدعاية والتصويت.
أخيرا، نطقت الصناديق، عبّرت بطريقتها عن رفضها لحكم العسكر، وإصرارها على الوقوف بجانب الثوار الذين ضحوا بالغالي والنفيس في سبيل الإطاحة بحكم دكتاتوري جثم على أعناقهم زمنا طويلا.
فاز الدكتور محمد مرسي، أول رئيس مدني منذ نهاية الحكم الملكي بمصر.. فاز في ظرفية صعبة تعيشها الجمهورية، كما تعيشها دول المنطقة المجاورة لها.. فهل يا ترى سيكون على قدر المسؤولية؟؟
وهل سيسلم المجلس العسكري كافة الصلاحيات التي كانت لديه لهذا الرئيس؟؟ أم سيظل يتحكم بزمام الأمور ويصبح بذلك الرئيس الجديد كدمية في يديه؟؟
آمل أن تسلم جميع السلط للدكتور محمد مرسي، وأن يغلب مصلحة الشعب المصري فقط لا غير.. ويحقق مشروعه النهضوي فعلا لا قولا.. لأن المواطن العادي تعب من الشعارات الفارغة.

وأخيرا، لا يسعني في هذا المقام سوى أن أبارك للشعب المصري فوز الدكتور محمد مرسي، وبذلك تم تغليب الثورة على العسكر.
فألف ألف مبروك.. وإن شاء الله ستحققون ما تطمحون إليه من نهضة وتقدم، بتظافر كافة الجهود..

الأحد، 24 يونيو 2012

خلف الأسوار -ج10



لمن فاتته الأجزاء السابقة، إليكم روابطها:



**********

دخل كريم إلى قاعة كبيرة بها عدد من أجهزة الحاسوب المتطورة، وعلى كل جهاز موظف منهمك في عمله. توجه نحو رجل يدعى مورينو كان مكتبه في منطقة أعلى بالغرفة بحكم منصبه، وعندما وصل إليه، مدّه بورقة التوصية التي بها منصبه الجديد.. نظر إليها مورينو بامتعاض لم يُبدِه لكن كريم أحسّ به، ثم بحركة آلية أعاد له الورقة، وقال له:
"هذا مكتبك الجديد"، ولم يستطع إخفاء حنقه وهو يضيف: "الذي كان مكتبي".
شعر كريم بالحرج وتوتر الموقف، ثم قال:
"لا عليك سيدي، سنكون أصدقاء من الآن فصاعدا، ولا وجود لكلمة رئيس ومرؤوس في قاموسي".
تفحّصه مورينو بعينيه ثم أدار ظهره وتوجه نحو مكتب شاغر حيث مكانه الجديد لأنه لم يعد المشرف على المجموعة، بل أصبح كريم هو صاحب ذاك المنصب بعد إنجازه العظيم.
جلس كريم على كرسي وثير، ثم توجه إليه كافة الموظفين المتواجدين داخل القاعة يهنئونه بالمنصب الجديد. شكرهم جميعا على تهنئتهم، ووعدهم بالعمل كفريق واحد من أجل الحفاظ على سير الشركة وأمنها الالكتروني.
أقبل رمضان على كريم وهو في إيطاليا، افتقد طعام والدته وتلك الأجواء الروحانية التي كان يعيشها ببلده.. افتقد صلاة التراويح في المسجد، والإفطار الجماعي، وزيارة الأهل والأحباب. هنا، في بلاد الغربة، لا وجود لتلك العلاقات الأسرية، حتى المسجد يبعد عليه بكلوميترات، تضطره في الغالب للصلاة في البيت مع جاره المسلم.
توجه نحو الشركة كالمعتاد وأخذ يزاول عمله، وبين الفينة والأخرى كان ينظر إلى ساعته يترقب آذان المغرب الذي لم يكن ليسمعه من موقعه، بل من خلال معرفة الوقت فحسب. بقي على آذان المغرب خمس دقائق، توجه فيها كريم نحو ثلاجة بالقاعة وأخذ منها زجاجة مياه معدنية، ووضعها على مكتبه، ثم أخرج سبع ثمرات من حقيبته، وأخذ يعد الدقائق حتى حلّت اللحظة المرتقبة قال فيها : "باسم الله، ذَهَبَ الظَّمأُ، وابْتَلَّتِ العُرُوقُ، وَثَبَتَ الأجْرُ إِنْ شاءَ اللَّهُ تَعالى‏"، ثم شرب الماء وما كان بحوزته من تمر. بينما هو على هذا الحال، إذ بمارية تدخل للقاعة وتتوجه نحوه وهي تحمل في يدها اليمنى كيسا بلاستيكيا وضعته على سطح مكتبه وهي تبتسم وتقول له: "إفطارا شهيا، لقد أعددت لك فطورك، أرجو أن ينال إعجابك".
تفاجأ كريم بهذا الفعل الذي لم يكن يتوقعه من مارية، لكن اعتراه قلق من أن يكون ما أتت به من طعام به شبهة حرام، فقالت له مارية: "تفضل تناول ما صنعته يداي، أم أنك لا تريد تذوق طعامي".
أجابها وهو محرج: "لا، ليس كذلك، بل..."
"بل ماذا؟؟ّ"
"أنت تعرفين أني مسلم، وتعلمين أن الطعام الذي يتناوله المسلمون يجب أن يكون حلالا".
"نعم أعلم ذلك، لذلك انتبهت جيدا وأنا أعد هذا الإفطار، فلا وجود لخمر في هذا الحساء، وهذا اللحم اشتريته من مجزرة إسلامية".
عند سماعه لما قالته، اطمئن قلب كريم، وشكرها على صنيعها وأخذ يتناول ما قدمته له وهو يبدي إعجابه بطبخها.
سُرّت مارية كثيرا بمدح كريم لطعامها، فأخذت على عاتقها أن تقدم له طعام الإفطار طيلة شهر رمضان، فكان بداية تطور العلاقة بينها وبينه، فلم يعد يحس بالحرج وهو يكلمها، وأصبحت تتردد على بيته ليستقلا سوية سيارة الأجرة من أجل التوجه نحو مقر الشركة معا.
وفي الضفة الأخرى، كانت سعاد دائمة التفكير في حبيبها الذي انقطعت أخباره منذ ما يقارب الشهرين. وعلى مائدة الإفطار، وبينما كانت تشرب الحساء، خاطبتها والدتها قائلة:
"ألم يتصل كريم بك، أو يرسل لك برسالة؟؟"
أجابتها سعاد بحزن:
"لا، لم يتصل، وقد مرّ شهران على آخر رسالة بعثها إلي".
"ألا تظنين أن انقطاعه هذا فيه شبهة؟؟"
نظرت سعاد إلى والدتها وهي تخفي غضبا قد اعتراها عند سماعها لتساؤلها، ثم قالت:
"ابعدي عنك تلك الهلوسات، فكريم يحبني ولن ينظر لأي فتاة أخرى سواي، لقد وعدني عندما يستقر في عمله سيتقدم لخطبتي والزواج بي".
أجابتها أمها بتهكم قائلة:
"أولم يستقر حتى الآن؟! لقد مرّ عام على سفره!".
قامت سعاد من على المائدة، ثم توجهت نحو غرفتها وأغلقت الباب خلفها.. ارتمت على سريرها وأخذت تبكي، فقد وقع كلام أمها عليها كسهام مسمومة زرعت الشك في قلبها.
مرّت ثلاث سنوات على تواجد كريم بإيطاليا، انشغل بعمله لدرجة أنه لم يعد يراسل حبيبته إلا نادرا رغم أن سعاد كانت مواظبة على مراسلته، وكانت تشكو إليه تردد الخُطّاب على منزلهم لخطبتها، وضغط والدتها عليها كي توافق على اختيار شاب آخر غير كريم، حيث كانت تردد على مسامعها دائما: "البعيد عن العين بعيد عن القلب، وكريم عثر على فتاة أخرى غيرك".
لم تستسلم سعاد لضغوطات والدتها، وكانت ترفض كل من جاء لخطبتها بلباقة.. وكما يقال "دوام الحال من المحال"، سقط والدها طريح الفراش، فانقطع عن عمله الذي كان يكفيهم شرّ التسول، ومع ازدياد ضغوطات الحياة المعيشية لم تجد سعاد بدا سوى البحث عن عمل كي تعول والديها.. وجدته بعد مشقة في أحد محلات الحلاقة النسائية.. لم يكن الدخل مرتفعا، لكن كان على الأقل يكفيها وعائلتها السؤال، وشراء الدواء لوالدها.
وفي أحد الأيام، دق أحدهم الباب، ففتحت سعاد وهي تنظر للطارق بدهشة، وتقول:
"سيدة سناء، ما الذي أتى بك لمنزلنا المتواضع".
أجابتها السيدة سناء، التي كانت ترتدي معطفا أسودا، وقبعة مزركشة بريش الطاووس، قائلة:
"ألا تدعينني للدخول".
"آه، عفوا، يا لقلة أدبي، تفضلي سيدتي.. تفضلي".
دخلت السيدة سناء للمنزل وهي تتفحصه بنظرها بعناية، ثم قالت لها:
"منزلكم جميل، يذكرني بطفولتي".
"شكرا لك سيدتي، هذا لطف منك".
تم دعتها للتوجه نحو قاعة الضيوف، وتوجهت هي نحو المطبخ لتعد الشاي.. بعد برهة، قدمت سعاد لضيفتها الشاي وقطعة حلوى، وتساؤلات كثيرة تدور في عقلها. أحسّت السيدة سناء بما يعتري سعاد من تساؤلات وفضول فقالت لها:
"هل تعيشين لوحدك في هذا البيت؟"
أجابتها سعاد قائلة:
"لا، سيدتي، لست وحيدة في هذا البيت، بل أعيش مع والدَيّ".
"جميل، وأين هما؟؟"
"والدي طريح الفراش من مرض ألم به، أما والدتي فقد خرجت لشراء بعض الأغراض، وستعود قريبا".
لم تكمل سعاد كلامها حتى دخلت والدتها، فتوجهت نحوها وهي تقول لها بصوت منخفض:
"أمي، لقد أتتنا ضيفة هي زبونة في المحل الذي أعمل به".
توجهت والدة سعاد نحو الضيفة، ومدت يدها لتصافحها وهي تقول مبتسمة:
"مرحبا بك سيدتي في منزلنا المتواضع".
قالت لها السيدة سناء:
"منزلكم جميل جدا وأصيل، وأعتذر إن أتيتكم دون سابق ميعاد".
"لا عليك سيدتي، أنت مرحب بك في أي وقت".
"بارك الله فيك، أظنك تتسائلين عن سبب زيارتي لكم".
"إن لم يكن هناك عدم ذوق، نعم، فليس من العادة في مثل هذا الوقت أن يأتينا ضيوف".
"خيرا إن شاء الله، كنت أنتظرك أنت بالذات للتحدث معك في أمر مهم".
اعترى الفضول والقلق، في نفس الوقت، قلب والدة سعاد وهي تقول:
"خير، اللهم اجعله خير".
فأجابتها السيدة سناء:
"خيرا إن شاء الله" قالتها وهي تنظر لسعاد بابتسامة ذات مغزى..
و
يتبع..

السبت، 16 يونيو 2012

خلف الأسوار -ج9


لمن فاتته الأجزاء السابقة، إليكم روابطها:



**********

دخل كريم في خطوات ثابتة، فتبادل مع جميع من كان في اجتماع مجلس الإدارة التحية، ثم جلس على كرسي خُصّص له. نظر إليه المدير العام وابتسامة عريضة تعلو محيّاه وقال:
"سيد كريم، بلغنا أنك أحبطت عملية تسلّل كادت تكبّدنا خسائر فادحة، وتشوّه سمعتنا".
أجابه كريم بصوت خجول:
"العفو سيدي المدير، هذا واجبي، ولم أكن لأسمح بهذا الاختراق الغير قانوني".
نظر إليه كافة أعضاء مجلس الإدارة بعيون راضية، ثم صفقوا له بحرارة على موقفه الذي اعتبروه بطولي، بعد ذلك، قام المدير العام وهو يحمل ورقة ومدّها لكريم وهو يقول:
"هذه الورقة بها قرار المجلس بترقيتك المسؤول الأول عن خلية البرمجة والحماية بشركتنا"، ثم أضاف وهو يمد إليه بورقة أخرى: " وهذا شيك به مكافأة عملك البطولي".
احتبست الكلمات في حلق كريم، ولم يدر بما يجيب سوى قوله لمديره:
"شكرا لكم سيدي.. شكرا لكم، وسأكون دوما عند حسن ظنكم بي".
بهاته الكلمات، صافح المدير العام، وصافحه جميع من كان حاضرا، ثم غادر صالة الاجتماعات متوجها نحو مكتبه.
لم يستطع انتظار المصعد، فتوجه نحو سلالم الطوابق التي تفصله عن مكتبه، وتخطاها برشاقة من شدة فرحه. وصل للمكتب وقبل دخوله، غيّر من تعابير وجهه، ورسم عليها بعض الحزن مشوب بقليل من الاضطراب، ثم دخل. رأته مارية ورفائيل، فقفزا من مكانيهما وقالا له بصوت واحد:
"هيه.. ماذا حصل مع السيد المدير العام؟؟"
نظر إليهما كريم نظرة حزن، ثم خفض عينيه إلى الأرض ولم يجب. خالج القلق زميلاه، فقالت سالوتي:
"هيا يا كريم.. نحن على أعصابنا.. أرجوك قل لنا ما الذي جرى بينك وبين السيد المدير العام؟؟"
هَمْهَم كريم، وهو ما يزال ينظر للأرض، بكلمات غير مفهومة، فقال رفائيل:
"ماذا قلت، لم نسمع شيئا".
آنذاك، رفع كريم عينيه وقال وابتسامة تعلو مُحيّاه:
"لقد تمّت ترقيتي"، وأراهما ورقة التوصية، وأضاف فرحا: "وهذا شيك به مكافأة نظير عملي"، وأراهما كذلك الشيك.
من شدة الفرح والسعادة، ارتمت مارية على كريم ولوت ذراعيها على خصره، وهي تقول: "مبارك عليك عزيزي كريم.. مبارك، فأنت تستحقها".
شعر كريم بالحرج، فهو لم يتوقع ردة فعل مارية، ثم أمسك بيديها، وأزاحهما عن خصره بلطف، وهو يقول:
"شكرا لك، عزيزتي مارية"، ثم نظر إلى رفائيل وقال له: "وشكرا لك أنت أيضا عزيزي رفائيل، فلولاكما لما قمت بهذا العمل. لقد وفّرتما لي جوا مريحا ساعدني للعمل بكامل طاقتي، فشكرا لكما مجددا".
صافحاه مرة أخرى، ثم عاد كل واحد منهم إلى عمله.
أخذت مارية تقلب أوراق أحد الملفات على مكتبها، ثم توقفت فجأة ونظرت إلى كريم وهي تقول: "كريم، بما أن الإدارة قامت بترقيتك، فأظنك ستنتقل إلى مكتب آخر أليس كذلك؟؟".
أجابها كريم قائلا: "نعم مارية، سيتم نقلي إلى مكتب جديد لأزاول به عملي".
تغيرت نبرة مارية، وهي تقول والحزن باد على صوتها:
"إذن ستتركنا، ولن نراك مجددا".
"لا يا حمقاء، سأنتقل إلى الطابق الأعلى فقط، وسأمر عليكما بين الفينة والأخرى حسب تفرغي".
ثم ابتسما معا.
في تلك الليلة، عاد كريم إلى منزله وتوجه مباشرة إلى درج مكتبه وأخرج منها ورقة وشرع يكتب رسالة إلى حبيبته سعاد يخبرها بما جرى معه اليوم، عند انتهائه، سمع طرقا على الباب، فطوى الرسالة ووضعها على سطح مكتبه، ثم قام من مكانه ليعرف من الطارق. تفاجأ عند فتحه للباب بمارية وهي تلبس فستان سهرة أزرق مكشوف الكتفين، وتحمل حقيبة يد حمراء، وقبل أن ترتمي عليه، كما تفعل عادة مع من تصادفهم، استوقفها بيديه قائلا، والاستغراب باد عليه،:
"ماذا تفعلين هنا في هذا الوقت المتأخر؟"
أحسّت مارية بالحرج من حركته تلك، ثم حاولت أن تسيطر على انفعالها وهي تقول مبتسمة:
"ألا تدعوني للدخول أولا".
"آه، عذرا، تفضلي بالدخول، ولو أني لا أسمح بدخول النساء إلى منزلي".
قالت مستغربة:
"لا تسمح للنساء بالدخول لمنزلك؟؟!!".
"نعم، ليس من عادتي فعل ذلك".
اعترى الفضول مارية، وطلبت منه المزيد من التفسير، فشرح لها كريم تعاليم دينه الذي يحرم الخلوة بأجنبية في مكان واحد، حفاظا على الشرف والعفة لكلا الجنسين، وأخبرها بحديث روي عن النبي صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيه: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يخلون بامرأة ليس معها ذو محرم منها؛ فإن ثالثهما الشيطان".
ازداد احترامها له بعد كلامه ذاك، ثم طلبت منه تغيير ملابسه لأن مفاجأة تنتظره بالخارج. وافق على مضض، وقبل أن يذهب لغرفة نومه ليغير ملابسه دعاها للانتظار في مكتبه.
دخلت مارية للمكتب، وأخذت تنظر إلى كتب وضعت بعناية على مكتبة تتوسط القاعة، ثم جلست على كرسي مجاور للمكتب، فلفت انتباهها ورقة مطوية على سطحه، اشتعلت غريزة الفضول لديها، ففتحتها وأخذت تقرأ. شعرت بغصة في حلقها وهي تطالع تلك الرسالة التي وجهها كريم إلى حبيبته سعاد، ثم أغلقتها مسرعة، وهي تحبس دموعا حاولت التمرد، قبل أن يدخل عليها كريم وهو يقول مبتسما:
"كيف أبدو؟"
نظرت إليه مارية بإعجاب وقالت: "جنتلمان حقيقي".
تم تأبّطت ذراعه وخرجا معا من المنزل. استقلا سيارة أجرة إلى أحد المطاعم، وعند دخولهما إليه، صفّق جميع من بالداخل، ورددوا بصوت واحد: "مرحا.. مرحا بالبطل الهمام".
تفاجأ كريم بذلك الترحيب، وأدار نظراته بين الحضور، فوجد أن ساكنة العمارة التي يقطنها حاضرة إضافة إلى زميله رفائيل. تلقى التهاني من الجميع على عمله البطولي في إفشال محاولة اختراق الشركة، ثم توجه مع مارية ورفائيل وجاراه في المبنى أحمد وسيلفيو نحو طاولة في آخر المطعم. أخذوا يتحدثون ويضحكون قبل أن تأتي نادلة وهي تحمل زجاجات خمر فاخرة، وضعتها على الطاولة، وأخذت تسكب للجالسين كؤوسا منها إلى أن وصلت لكريم الذي اعتذر لها بلباقة، وطلب منها زجاجة مياه غازية فقط. استغربت مارية مرة أخرى من تصرفه وقالت له: "لقد طلبنا هذا الخمر الفاخر فقط من أجلك، فلم لا تشاركنا شربه؟!"
أجابها وهو يسكب المياه الغازية في كأس بجانبه: "الخمر محرم في ديننا الحنيف، فهو يسكر العقل ويجعله يتصرف بحماقة ودون مسؤولية".
"عجيب أمر دينكم هذا، لم أسمع بمثل هاته التعاليم من قبل". ثم أسرّت في نفسها على البحث والتنقيب عن أسرار الإسلام لتعرف كيف تتعامل مع كريم، لأنه شغفها حبا.
انتهت السهرة، وعاد كل واحد إلى منزله لينعم بقسط من الراحة قبل بزوغ فجر يوم جديد، وعمل مضن كالعادة.
رنّ منبه كريم معلنا السابعة صباحا. استيقظ وكلّه نشاط، ثم تناول فطوره على عجل واستقل سيارة أجرة نحو عمله. عند دخوله نادت عليه موظفة الاستقبال، وأعطته ملفا ضخما به بعض المهام وما المطلوب منه حسب منصبه الجديد. استقل المصعب إلى الطابق العاشر، وتوجه مباشرة نحو قاعة ضخمة كتب على مدخلها، مركز البرمجة والحماية، عدّل من هندامه، ومرّر يده اليمنى على خصلات شعره، ثم قال: "بسم الله، توكلت على الله"
و
يتبع..

الجمعة، 15 يونيو 2012

مصر بين مطرقة الإخوان وسندان النظام البائد



لم يبق على الانتخابات الرئاسية بجمهورية مصر العربية سوى يوم واحد، ليتقرر رابع رئيس للجمهورية منذ إطاحتها بنظام الملكية. غير أن هذا الاستحقاق يأتي في ظرفية تعرف الكثير من التوتر خصوصا بعد الإعلان عن الفائزين في المرحلة الأولى. فبعد أن كان غالبية الشعب يظن أن الرئيس سيكون أحد المرشحين المستقلين "عبد المنعم أبو الفتوح" أو "حمدين صباحي"، تفاجؤوا بمرشحين آخرين "محمد مرسي" و"أحمد شفيق".
الأول محسوب على جماعة الإخوان المسلمين، ويعيب عليه البعض أنه إذا أصبح رئيسا سينزل "أجندة" الإخوان على الشعب، إضافة إلى تخوف بعض الفئات من أن تنشأ هاته الجماعة نظاما دكتاتوريا آخر مثل سابقه، لوجود نقطة اشتراك موحدة وهي امتلاك حزب مبارك –سابقا- وحزب العدالة والحرية –حاليا- لأغلبية مطلقة في مجلس الشعب مما يخوله تشريع قوانين تلائم مقاييس الجماعة وليس الشعب حسب منظور الطبقة المعارضة لحكم الإخوان.
 ويؤاخذ على الإخوان أنهم "خانوا" الثورة بتحالفهم في البداية مع المجلس العسكري لإنهاء حالة اعتصام الثوار في الميادين.
في المقابل، استنكر البعض ترشيح "أحمد شفيق" وشكك في نزاهة الانتخابات التي جعلته يفوز من أجل خوض الجولة الثانية، وذلك لاعتبارين: الأول أنه تم رفض ملف ترشحه في البداية مع اثنا عشر مرشحا آخرا، غير أنه أعيد إلى السباق الرئاسي بقرار قضائي. والثاني، أنه متهم بتورطه في واقعة "الجمل" في عهد نظام حسني مبارك بحكم أنه كان آخر رئيس وزراء إبان الثورة.
ثم أن الجميع أراد أن يقطع مع النظام العسكري، وطالب برئيس مستقل مدني، غير أن المرشح "أحمد شفيق" ولو أنه رشّح نفسه كمستقل، إلا أن خلفيته عسكرية، ومازال يقال عند تقديمه "الفريق" وهي رتبة عسكرية، فكيف يكون مستقلا؟! ناهيك على أنه محسوب على "الفلول" الذين قامت ضدهم الثورة المجيدة.
لكن ما زاد الطين بلة هو في تصريحه بعد أحداث العباسية، بأنه سيأمر الجيش بفض أي تجمهر أو مظاهرة في خمس دقائق إن كان رئيسا للجمهورية، وبالتالي سيكرس الدكتاتورية من جديد، ويعود الشعب المصري مقهورا كما كان من قبل.
ويبقى خيار معارضو هذان المرشحان إما المقاطعة، وإما التصويت على أحدهما أحلاهما مر.
همسة في أذن كل مواطن مصري: لا تبع صوتك لقاتل الأبرياء، وحكّم عقلك قبل قلبك في اختيار المرشح الأنسب لبلدك.
عن نفسي، لو كنت مصريا، لرشحت "محمد مرسي"، لأنه التزم بالحفاظ على مبادئ الثورة ومكاسبها، وأنه صريح في أقواله، وقد صرح لو تم اختياره رئيسا سيقدم استقالته من حزب الحرية والعدالة، حتى يقطع الباب على المشككين في قراراته أنه يطبق أجندة الحزب أو الاخوان. وحتى في مشروعه، فإنه لا يدعو إلى دولة دينية كما يريد تسويقها غريمه "الفريق أحمد شفيق"، بل يدعو إلى دولة مدنية يحترم فيها الإنسان وتصان كرامته. إضافة إلى حمله لمشروع "النهضة"، نهضة مصر اجتماعيا وثقافيا وسياسيا واقتصاديا.
لكن يبقى الخيار لكم أنتم، أيها المصريون، يومي السبت والأحد القادمين.. فحكّموا ضمائركم.

الأحد، 10 يونيو 2012

خلف الأسوار -ج8



لمن فاتته الأجزاء السابقة، إليكم روابطها:


************
"باسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وبعد،
حبيبتي سعاد،
لا تظني أني نسيتك، فأنت في القلب وستظلين كذلك، لكن انهماكي في عملي الجديد، جعلني أنشغل عن الكتابة لك.. أعلم أنك تتحرقين شوقا لمعرفة جديدي، وأنا أيضا أتحرق شوقا لرؤيتك وليس لمعرفة أخبارك فقط.
 الحمد لله، حصلت على وظيفة محترمة في شركة راقية، ودخلي مرتفع شيئا ما بالمقارنة مع ما يتقاضاه من هم مثلي بالمغرب، سأحاول ترشيد نفقاتي حتى أكوّن نفسي جيدا، آنذاك، سأعود للمغرب ونتزوج كي أصطحبك معي إلى هنا، وتنعمي كما أنعم أنا الآن، ولو أن هذا النعيم بدونك لا ذوق له.
غاليتي،
سأنتظر أخبارك بكل لهفة وشوق، فلا تتأخري علي في الرد.
المحب: كريم"
عند انتهائها من القراءة، أخذت سعاد تقبّل الرسالة بلهفة، ثم حملتها وضمتها إلى صدرها وهي تدور في الغرفة فرحة مسرورة كطفل صغير سُرّ باقتناء لعبة جديدة، ثم توجهت نحو مكتبها الصغير، وأخرجت من الدرج ورقة وقلما، وبدأت تكتب ردا لحبيبها، فيه:
"باسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وبعد،
حبيبي ومهجة قلبي،
لا تدري مدى سعادتي وأنا أقرأ رسالتك. أحسست فيها شوقا ولهفة ملتاع متيم، أنا كذلك، قلبي لا ينبض إلا باسمك في كل وقت وحين، وصورك لا تغيب عن ناظري، حتى أني أزور الأماكن التي كنا نرتادها سوية كل يوم لأرى طيف هناك، وأشم عطرك.
أخوف ما أخاف عليه، أن تسلبك إحداهن هناك هذا القلب الذي تُيِّمتُ به، فتنساني.
أستودعك الله، ولا تتأخر علي في موافاتي بكل جديدك.
المحبة الوفية: سعاد"
ثم وضعت فيها صورة شمسية لها، واشترت ظرفا وأرسلته على عنوان رسالة كريم بالبريد المضمون.
استفاق كريم مبكرا كعادته، وتصفح جرائد اليوم، ثم أخذ حماما سريعا وأكل فطوره، وذهب لعمله صحبة زملائه الذي يقطنون في نفس العمارة إلى العمل سوية.
دخل إلى مكتبه وسلّم على مارية ورفائيل، ثم جلس على كرسيه، وأخذ يتابع أنظم الحماية في الشركة، وفجأة، أتاه إنذار من جهازه لمحاولة اختراق، كانت هاته أول تجربة له مباشرة مع هذا الأمر، فأخذ يضغط بسرعة على لوحة أزرار حاسبه، ويكتب رموزا وأرقاما ليعرف مصدر هاته المحاولة، وأخذ العرق يتصبب منه، فلاحظت ذلك مارية، وقالت له، ونبرة الجزع بادية على صوتها:
"ما بك يا كريم، أراك تتصبّب عرقا!؟".
لم يجبها كريم، وتابع ضغط الأزرار ومراقبة الرسائل التي تأتيه من جهازه، ثم أخذ يتحدث بصوت مسموع: "لن تنال مني يا هذا.. سأريك من يكون كريم".
نهش الفضول فؤاد مارية ورفائيل، فقاما من مقعديهما، وتوجها نحو كريم، فرأيا كتابات وأرقاما من شاشة حاسوبه لم يفهما شيئا منها، وكريم يمسح بين الحين والآخر عرق جبينه بمنديله، ثم فجأة صاح والفرحة تغمره:
"يااااااااااااه، لقد فعلتها..فعلتها".
فقالت مارية: "ماذا فعلت.. قل لنا يا كريم".
"لقد أبطلت أوّل محاولة تسلّل على شركتنا".
"تسلل؟؟".
"نعم، تسلّل، كان سيردي شركتنا الهاوية".
سألته مارية ورفائيل في نفس الوقت: "كيف ذلك؟".
فأجاب كريم وهو يلهث من شدة الفرح والانفعال لانتصاره الأول:
"تخيلوا معي لو أخذ شخص ما معلومات عن أسهم عملائنا في البورصة، ما الذي يمكن أن يفعله بها؟".
قالا زميلاه بصوت واحد: "ستكون كارثة".
"نعم، ستكون كارثة بكل ما تحمل الكلمة من معنى، وسنتكبد خسارة بالملايين لتعويض هؤلاء العملاء، لكن الحمد لله، استطعت أن أبطل هاته المحاولة الجبانة".
فقالت مارية:
"حمدا للرب أنك معنا، ولست ضدنا"، ثم ضحكت، فضحك رفائيل وكريم معها.
تسرّب خبر إبطال كريم لمحاولة القرصنة إلى كافة موظفي الشركة، فكان كلما مرّ على رواق، إلا وحيّاه الموظفون، حتى وصل الخبر إلى المدير، فأرسل في طلبه.
دخل كريم، وهو ينظر إلى الأرض مهابة من المدير، لكن هذا الأخير قام من مكانه وتوجه نحوه وحيّاه بحرارة وهو يقول:
" أحسنت صنعا يا كريم بإبطالك لتلك المحاولة الجبانة للتسلل لقاعدة بياناتنا.."
أجابه كريم متلعثما من شدة الارتباك:
"هذا واجبي سيدي.. وطاقتي سأسخّرها كلها من أجل الحرص على هاته الشركة التي منحتني أكثر ما أريد".
ابتسم المدير وربّت على كتفه وقال:
"أطلب ما شئت عزيزي كريم، فما قمت به اليوم، يستحق المكافأة".
"لا أطلب سوى رضاك عني سيدي".
"لا عليك، خذ وقتا للتفكير في مكافئتك، وإن لم تستطع، سندرس أمرك في مجلس الإدارة لنقرر، فما قمت به اليوم لشيء خارق لم نعتد عليه من قبل في شركتنا".
ثم صافحه مرة أخرى بحرارة، وطلب منه التوجه إلى مكتبه لمواصلة العمل.
دخل كريم إلى مكتبه، فقامت مارية وهي تقول له:
"ماذا قال لك سيادة المدير العام؟؟ أخبرنا، فلا نكاد نصبر عن معرفة الحوار الذي جرى بينكما".
أخبرها كريم بكل ما جرى في مكتب المدير العام، وهو لا يخفي فرحه بذلك الاستقبال الرائع الذي حضي به من قبله، ثم قال له رفائيل:
"عزيزي كريم، هاته أول محاولة لك، تفوقت فيها على نفسك وعلى جميع من في الشركة، لأنك جنّبت شركتنا خسارة الملايين.. لكن، احذر، فلن تكون هاته هي المحاولة الأولى للاختراق، ستتلوها محاولات أخرى".
أجابه كريم، وقد تغيرت نبرة صوته، وظهر فيها الجدية:
"أعلم ذلك رفائيل، سأكون لكل مخترق بالمرصاد، فأنا كريم وأجرك على الله"، ثم غمزه بطرف عينه اليسرى، وتوجه نحو مكتبه لإكمال عمله.
مرّت سنة على تواجد كريم بالشركة، أحبط فيها عدد هائل من محاولات الاختراق لقاعدة بيانات عملاء الشركة، مما جعل المدير العام في يوم مشمس من بداية السنة الجديدة أن يطلبه لحضور اجتماع مجلس الإدارة، لأول مرة منذ توليه العمل.
أعاد كريم ترتيب هندامه، وقال لمارية: "كيف أبدو؟"
نظرت إليه مارية وهي تقول: "اممممم، دعني أرى، ربطة العنق هاته لا تلائم قميصك الأزرق، لكن لا عليك، الحل عندي"، ثم خرجت مسرعة نحو المكتب المجاور، وعادت بربطة عنق حمراء، ثم قالت وهي تحيط بيديها عنق كريم وتلبسه تلك الربطة:
"الآن، أنت جذاب بهاته الربطة"، ثم أطلقت ضحكة طفولية كعادتها.
شكرها كريم، على مساعدتها له، ثم توجه نحو مكتب المدير، وقف بالباب، ثم طرقه، وانتظر حتى سمع صوت المدير العام من الداخل يقول:
"تفضل"
و
يتبع..

الأحد، 3 يونيو 2012

خلف الأسوار -ج7


لمن فاتته الأجزاء السابقة، إليكم روابطها:


********
جلس كريم ومرافقه قبالة مكتب مدير الشركة، وأخذ هذا الأخير يتفحص كريم بعينيه الثاقبتين كصقر يترقب فريسة لينقض عليها، مما زاد من توتر الوافد الجديد، الذي ابتلع ريقه بصعوبة، فلم يستطع النظر في وجه مديره المستقبلي، فظلت نظراته منخفضة لا ترى سوى المنضدة المتوسطة للطاولة التي تفصل بينه وبين مكتب المدير، ثم فجأة خاطبه المدير قائلا:
"هون عليك سيد كريم، وأبعد عنك الحرج، فنحن هنا متساوون في العمل، رغم المناصب، لأن هدفنا الأوحد هو الرقي بشركتنا وإرضاء عملائنا".
نزل هذا الكلام على قلب كريم بردا وسلاما، فاستجمع شجاعته وقال له:
"سيدي المدير، سأكون رهن إشارتك دوما وفي أي وقت تشاء".
"هذا ما أعوّل عليه سيد كريم، أن تكون وفيا ومخلصا ليس لي، بل للعمل وللشركة، ولن نبخل عليك إن أحسنت التصرف".
"إن شاء الله، سأكون عند حسن ظنك بي"، قالها كريم وهو يبتسم وينظر إلى وجه المدير مباشرة.
على هذا الكلام، مدّ المدير ملفّا به كافة المعلومات والأعمال التي ستوكل إلى كريم ابتداء من اليوم الذي ولج فيه الشركة، أخذه هذا الأخير وسعادة عارمة تغمر قلبه، ثم خفض رأسه احتراما، وانصرف مع أنطونيو نحو مكتبه الجديد.
دخل غرفة وجد بها ثلاث مكاتب صغيرة، اثنان منها يجلس في أحدهما شاب في العشرينيات من العمر، أسود الشعر، متوسط القامة، وسيم الملامح، وفي الآخر تجلس شابة هي أيضا في العشرينيات، شقراء الشعر، بملامح أوربية خالصة، متوردة الوجنتين، دقيقة الشفتين، تلبس فستانا كستنائيا أضاف إلى جسدها رونقا. عند رؤيتهما لأنطونيو وكريم توقفا عن عملهما، ووقفا تحية لهما، فأخبرهما أنطونيو بأن زميلهما من الآن فصاعدا هو السيد كريم، صافحاه وابتسامة ودودة على محيّاهما، فبادلهما كريم التحية والابتسامة، ثم توجه نحو مكتبه. أخذ يتحسّسه بأنامله وهو لا يكاد يصدق أنه أخيرا سيجلس على مكتب كان يحلم به طوال سنوات عطالته، أخيرا سيصبح له شأن ومكانة. جلس على كرسيه، وهو ينظر إلى جهاز الكومبيوتر الخاص به، وإلى حاملة الأقلام المصنوعة من خشب العرعار، ثم فتح الملف الذي أعطاه إياه المدير، وأخذ يدقق في كل كلمة حتى فهم ما أنيط له من عمل.
قبل أن يبدأ العمل، توجهت نحوه زميلته الجديدة، وهي تقول له:
"سيد كريم، مرحبا بك بيننا، نرجو أن نكون زملاء وأصدقاء، وإن احتجت إلى أي شيء، فسأكون رهن الإشارة، ما عليك سوى الطلب".
"آنستي، شكرا لذوقك وطيب كلامك، وسأكون أنا أيضا رهن الإشارة إن احتجتما إلي".
"سيد كريم، اسمي مارية سالوتي، أرجو أن تخاطبني باسمي دون ألقاب، فنحن هنا عائلة واحدة".
"حاضر سيدتي"
"هاااااا.. ماذا قلت" قالتها وهي تبتسم، فتورّدت وجنتا كريم خجلا، وقال:
"حاضر آنسة مارية"، نطقها بصوت منخفض، فقالت له مارية: "ماذا قلت، لم أسمع شيئا؟".
إذ ذاك رفع كريم صوته، وقال: "حاضر آنسة مارية، سأخاطبك باسمك دون ألقاب".
"الآن، نحن زملاء"، قالتها مارية وهي تطلق ضحكة مرحة.
ثم قام زميله الثاني من مكتبه، وتوجه نحوه وهو يقول: "سيد كريم، اسمي رفائيل، أنا أيضا إن احتجت لأي شيء، أو استعصى عليك أمر في عملك الجديد، فلن أبخل عليك بمعرفتي، لأني أنا ومارية نعمل هنا منذ ما يقارب السنتين، ولدينا خبرة كافية".
شكره كريم على كلامه، وابتسم له بود. عاد رفائيل لعمله، وجلس كريم على كرسيه، ثم قال: "باسم الله، توكلت على الله"، وشرع في عمله الجديد بكل جدية. أخذ يراقب أسهم عملاء الشركة في البورصة الوطنية، ونظم الحماية في منظومة الشركة بأكملها، بحكم تخصصه في هذا المجال.
مرّ شهر على عمله الذي كان يقوم به بتفان وجدية، فتذكر وهو جالس بغرفة في منزله أنه لم يرسل أي رسالة لحبيبته ولا لوالديه، فندم على تقصيره، وأخذ ورقة وقلم وبدأ يكتب رسالة غرامية لسعاد، وعند الانتهاء منها طواها وجعلها في ظرف، بعد ذلك قام بكتابة رسالة أخرى لوالديه، يخبرهما فيها شوقه لهما، وأخبار عمله، وطمأنهما على صحته، لأنه يعلم جيدا أن والدته ستسأل عنها، وبعد ختم الرسالة الثانية، توجه نحو أقرب مركز للبريد، وأرسلهما بالبريد المضمون كي تصلا بسرعة.
في حي كريم بالعاصمة الرباط، كانت سعاد كلما تسمع صوت الدراجة النارية الخاصة بساعي البريد، إلا وتتجه جريا نحو باب منزلها لتفتحه لعلها تتلقى رسالة من حبيبها كريم، غير أنها في كل مرة تعود خائبة. كانت تنظر إليها والدتها بنظرات مشفقة وتتألم بصمت، كيف لا وهي ترى فلذة كبدها تتعلّق بشخص تركها وهاجر دون أن يتزوجها، وكانت كلما طلبت من ابنتها نسيانه، تنتفض وتقول صارخة: "سيعود كريم.. سيعود إلي. أنت لا تعرفين صدق مشاعره نحوي، ومشاعري نحوه. لقد وعدني بأنه سيبقى وفيا لي كيفما كانت الظروف، وأنا أثق فيه أكثر من نفسي". كانت هاته هي الكلمات التي لا تفتأ سعاد ترددها على مسامع والدتها، حتى كان ذات صباح مشرق، سمعت فيه سعاد صوت دراجة نارية تقف أمام بيتها، ودقات خفيفة تطرق بابها، توجهت نحوه مسرعة وقلبها ينبض في انفعال، وفتحته، فرأت ساعي البريد يحييها بابتسامة ويمد لها رسالة عليها طابع أجنبي. تهللت أساريرها فرحا، وضمت الرسالة إلى صدرها، وأخذت تقبّلها بسعادة، ثم توجهت صوب غرفتها، فارتمت على سريرها وفتحتها وبدأت تقرأ:
و
يتبع..

السبت، 2 يونيو 2012

وقفة تضامنية مع الشعب السوري الثائر



استجاب عموم الشعب المغربي لوقفة دعت لها كل من الهيئة المغربية لنصرة قضايا الأمة، واللجنة الشبابية المغربية لدعم الشعب السوري، وتنسيقية الثورة السورية بالمغرب يوم الجمعة 1 يونيو 2012 أمام مقر البرلمان بالرباط. حيث ردد المشاركون شعارات تنديدية بالمجازر التي يرتكبها النظام السوري و"شبيحته"، وأخرى تطالب المنتظم الدولي بالتدخل العاجل لإنقاذ الشعب السوري من براثن النظام، من مثل "يا بشار يا حقير.. يا قتال الجماهير.. يالله ارحل يا بشار"، "الشعب السوري واحد.. واحد"، "يا بشار باي باي.. في المشنقة أو لاهاي"، وطالب الحضور برحيل سفير سوريا عن المغرب بقولهم "الشعب يريد طرد السفير".

وكان اللافت للانتباه لوحة تعبيرية قام بها أطفال مغاربة تجسيدا لمذبحة الحولة التي راح ضحيتها أكثر من 140 شهيدا، من بينهم ما يقارب 50 طفلا، وكذلك حضور الجالية السورية بالمغرب بقوة، حيوا في شعارات الجيش السوري الحر، وشعبهم المقاوم بسوريا في قولهم: "الله يحيي الجيش السوري الحر"، "الجيش الأسدي الله يخزيك".

بعد ذلك كانت كلمة أحد ممثلي تنسيقية الثورة السورية بالمغرب، حيث ترحم فيها على شهداء سوريا، وتمنى الشفاء للجرحى والحرية للمعتقلين، وانتقد استعمال السلاح من قبل النظام السوري للقضاء على الحركات الاحتجاجية المطالبة بالتغيير في سوريا، حيث قال: "الدم ينتصر على السيف، سيف النظام المجرم القاتل، الذي حكمنا منذ أربعين عاما، وهو يعطي الأمان لإسرائيل. لم تتوجه الدبابات إلى الحدود من أجل تحرير الجولان، بل ذهبت إلى المدن السورية لقتل الشعب السوري بمساندة من الصين وروسيا.."، ثم أضاف: "روسيا ترى أنها ستربح مع النظام الفاجر، لكنها ستخسر مع النظام الثائر". وفي الأخير حيا الشعب المغربي على تضامنه بقوله: "نحن نقدر ونشكر الشعب المغربي الشقيق الذي حمل ثورة سوريا في أعناقه"، ثم تلا مع باقي المتضامنين سورة الفاتحة على شهداء سوريا.

ثم كانت كلمة لممثلة عن اللجنة الشبابية المغربية لدعم الشعب السوري، حيث قالت "تضامننا رغم بساطته يقوي عزائم الثوار بسوريا، يقويهم بحمص، يقويهم بدمشق، يقويهم بدرعا، ويقويهم ببني عمر.."، ثم أضافت: " تضامننا، هو تضامن من أجل الحرية التي ننشدها جميعا من الرباط إلى دمشق"، وطالبت بطرد السفير السوري بالمغرب، وفي الأخير، استنكرت التعاطي الباهت للمنتظم الدولي والأنظمة العربية مع ما يحصل في سوريا، وأكدت على ضرورة تفعيل تدابير قوية وجادة تتعاطى بكل مسؤولية مع الأحداث الإرهابية التي يقوم بها نظام بشار الأسد في حق الشعب السوري. ونددت بالمجازر الإرهابية للنظام، ودعت إلى تحرك عربي فعال وعاجل من أجل وقف حمام الدم بسوريا وحماية الشعب السوري من بطش شبيحة النظام، وطالبت بتحريك دعوى قضائية ضد الرئيس بشار الأسد، وخلق محكمة خاصة بالنظام السوري وحاشيته، ودعت الضمائر الحية في العالم من أجل التدخل السريع والعاجل لردعه بكل الوسائل، وختمت كلامها بدعوة كافة المنظمات والهيئات الدولية والعربية إلى اتخاذ تدابير وإجراءات مسؤولة تضمن للشعب السوري حقه في الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، وحقه في اختيار من يحكمه، وطرد السفير السوري وشبيحة النظام من المغرب.

ثم كانت مساهمة شعرية لأحد أبناء الجالية السورية بالمغرب، حيا فيها الشعب السوري الثائر والجيش السوري الحر، واستنكر فيها الصمت الدولي على مجازر نظام بشار الأسد، وختم قصيدته بقوله: "إنا والله سنحاكم كل الطغاة..وكل إنسان شرفه مات، ونصرنا آت..آت.. آت".

وفي الأخير، كانت كلمة للممثل الهيئة المغربية لنصرة قضايا الأمة الأستاذ محمد الحمداوي، شكر فيها الحضور على مساندتهم للشعب السوري بهاته الوقفة التضامنية، وحيا فيها الشعب الثائر بسوريا على صمودهم، وندد بالمجزرة الشنيعة التي قام بها نظام بشار الأسد في حق سكان الحولة، وخاصة الأطفال منهم، ودعا إلى التدخل العاجل للمنتظم الدولي لإنقاذ الشعب السوري، وقال موجها كلامه لمنظمة الأمم المتحدة: "ندعو إلى الإقلاع عن هذا السلوك المنافق –الصمت الممنهج للمنتظم الدولي لما يحدث في سوريا، والمجازر التي ترتكب في حق الشعب السوري- عن هذا السلوك المتلكئ.. لماذا بادرتم في ليبيا وغيرها من البقاع، أم أن ليبيا بها النفط، ولديكم فيها مصالح معينة، وسوريا بها شعب أعزل يريد أن يعيش مستقلا، ولا يريد تبعية لأحد"، ثم أضاف: "إن دماء السوريين، دماء غالية يا كرام"، ووجه كلامه إلى الجالية السورية بالمغرب حيث قال: "إنكم أيتها الأخوات السوريات، والإخوان السوريون الحاضرون معنا، كلنا سوريون، كلنا سوريات"، ثم استطرد قائلا: "نقول لهذا الشعب لا تمل ولا تتردد حتى تقتلع جذور الاستبداد الظالم من أرضك يا أيها الشعب السوري البطل.. لك العبرة في شعب الجزائر، لك العبرة في شعوب أوربا في العصور الماضية حين واجهت الاستكبار والاستبداد، ولك العبرة في شعب تونس، وليبيا ومصر، وباقي شعوب العالم"، ثم أضاف: "كلما طال الزمن إلا ويزيد الصامدون ويزيد عشاق الحرية إصرارا على انتزاع حقهم كاملا غير منقوص". ثم طالب في الأخير الدول العربية والغربية إلى التضافر من أجل الوقوف صفا واحدا مع الشعب السوري في محنته، وأكد على ضرورة طرد السفير السوري على غرار بعض الدول الغربية، حيث قال: "نستغرب أن تقوم فرنسا بطرد سفير النظام الظالم في سوريا، ومازلنا نرى سفراء النظام السوري البشع في البلاد العربية وفي البلاد الإسلامية.. عار أيها الكرام.. هؤلاء السفراء ممثلون لعصابة إجرامية تسمى عصابة بشار الأسد، هؤلاء يجب أن يطردوا في كل البلدان العربية والإسلامية وفي المغرب"، ودعا في الأخير كافة الحكومات العالمية إلى إحكام الحصار على النظام السوري، وأيضا دعا الشعوب العربية والإسلامية والعالمية من أجل نصرة الشعب السوري بكل ما أتوا من إمكانيات حتى يتحرر من ربقة النظام الإرهابي بزعامة الرئيس بشار الأسد.

وفي الأخير، تم ختم الوقفة بتلاوة الفاتحة والدعاء للشهداء والجرحى وكافة الشعب السوري بالنصر والتمكين.
****
وأترككم مع بعض الصور الموثقة للحدث









**********
قصيدة أحد  أعضاء الجالية السورية