الحرية لعلي أنوزلا

الخميس، 31 مايو 2012

مدونات مغربية وليدة


عالم التدوين مازال يستقطب مريديه ومحبيه في وطننا الحبيب المغرب، وهاهي ثلاث مدونات جديدة، ظهرت في هذه السنة (2012)، منها المتخصصة، ومنها العامة.

المدونة الأولى وضع لها صاحبها ذ. محمد أبو عز الدين اسم: "صدى كيسان"، وقال عنها "الكلمة أمانة ورسالة قبل أن تكون وسيلة وغاية".

المدونة الثانية، لصاحبها محمد بوديع، سمّاها: "موقع سراج للبحث القانوني"، وهي مدونة متخصصة في العلوم القانونية.

أما المدونة الثالثة، فهي لصاحبها بدر الدين حلحول، وقد وضع لها اسم: "مدونة بدر حلحول"، وقال عنها: "مساحتي اعبر فيها عن انشغالاتي وأفكاري وابحث من خلالها عن إجابة لسؤال من أنا ومن أكون؟".

وفي انتظار المزيد والجديد من المدونات المغربية الوليدة، تقبلوا مني أطيب المنى.

الثلاثاء، 29 مايو 2012

غذاء مشترك بين المدونين المغاربة



عرفت مدينة الرباط يومه الأحد 27 ماي 2012، التقاء ثلة من المدونين المغاربة من أجل توطيد أواصر الأخوة والتعارف فيما بينهم، فقرروا الاجتماع على غذاء مشترك بشاطئ الاوداية، الذي لم يكن مجرد غذاء فقط، بل كانت فرصة للتباحث وتقديم الاقتراحات في بعض المشاريع المستقبلية التي تهم المدونين والتدوين بالمغرب.
من بين الاقتراحات، إعداد كتاب من الحجم المتوسط يحتوي على قسمين، القسم الأول: خاص بالتدوينات المغربية المكتوبة باللغة العربية الفصحى، وتم تحديد عدد التدوينات في 51 تدوينة. والقسم الثاني: سيكون خاص بإدراج نبذة مختصرة عن المدونات المغربية بمختلف اللغات (سواء العربية، الفرنسية، الانجليزية، وحتى الأمازيغية).
إضافة إلى مقترح أن تكون نسخة متنقلة من هذا الكتاب الجماعي، تترك في الأماكن العامة من أجل تقريب الفكر التدويني إلى مختلف شرائح المجتمع، شريطة أن من يحصل عليه، عند الانتهاء من قراءته، أن يضعه في مكان عمومي حتى تستمر رحلة الكتاب إلى ما لا نهاية.
وأخيرا، مقترح إعداد شريط وثائقي خاص بالتدوين بالمغرب، وتاريخ ومكان انعقاد الملتقى الثالث للمدونين المغاربة.

وكان ختم اللقاء بإحدى مقاهي وسط العاصمة.

المشاركون:

خالد أبجيك، صاحب مدونة "الفكر الحر"
رضوان أبجيك، صاحب مدونة "مغرب اليوم"
فؤاد وكاد، صاحب مدونة "فؤاد"
طارق حميدات، صاحب مدونة "طارق الليل"
عصام زروق، صاحب مدونة "نناقش همومنا بعيدا عن الرقابة"
إيمان بلعباس، صاحبة مدونة "دقات قلب"
إيمان لهي، صاحبة مدونة "عالمي الخاص"
هند عبد الله، صاحبة مدونة "هند عبد الله"
أميمة، صاحبة مدونة "بين حياتي"
حسنية، مهتمة بالتدوين.

*****************





******************

ملحوظة:
تبقى هاته الاقتراحات قيد المناقشة والتعديل في صفحة ملتقى المدونين المغاربة على الفايس بوك.

السبت، 26 مايو 2012

خلف الأسوار -ج6



لمن فاتته الأجزاء السابقة، إليكم روابطها:


***********

فتح الباب وهو يُحدّث نفسه عن احتمالية رجوع السيد أنطونيو ليخبره بأمر نسيه، لكن كانت مفاجأته أن رأى شخصا آخر، طويل القامة، أسود الشعر، أسمر البشرة، يرتدي بذلة رياضية، ويحمل في يده قالب حلوى، وبجانبه شاب آخر بعينين داكنتين، وشعر أشقر، تقريبا في مثل طوله وسنه، ويرتدي قميصا وسروال جينز. ابتسما له بود، فبادلهما الابتسام، وقبل أن يسألهما عن ماهيتهما، وما سبب هاته الزيارة المفاجأة، قال له صاحب البشرة السمراء باللغة الإيطالية:
"نعتذر عن إزعاجك في مثل هذا الوقت، علمنا منذ ليلة أمس أن موظفا جديدا سيستقر بيننا هنا، فأردت أنا وصديقي الترحيب بك".
"شكرا لكما على ذوقكما، لكن هل بإمكاني أن أعرف من أنتما؟"
"طبعا.. يا لغبائي، كان علي أن أقدم نفسي أولا. اسمي أحمد مهندس في نفس الشركة التي ستعمل بها، وجارك في هاته الإقامة، وهذا زميلي سيلفيو محاسب في نفس الشركة أيضا، وجارك كذلك".
صافحهما كريم وهو يُعرّف بنفسه أيضا:
"اسمي كريم من المغرب، أتيت اليوم إلى هنا من أجل العمل في شركة أنفورماتيكا للأسهم المالية وفق عقد عمل لمدة خمس سنوات".
بعد انتهاء التعارف، دعاهما للدخول، وهو يقول: "تفضلا، رغم أني لم أرتب أغراضي بعد، فقد وصلت توا".
دخلوا جميعا لغرفة الضيوف، ثم وضع أحمد قالب الحلوى في مائدة تتوسط القاعة، فقال لهما كريم: "سأعد الشاي حتى نتناول الحلوى معا، ونكون بذلك قد "أكلنا العيش والملح"، كما نقول نحن العرب" فضحك، وضحك معه ضيفاه.
شرب الجميع الشاي، وأكلوا الحلوى، ثم ودّعاه على أمل اللقاء في فرصة أخرى، وقال له سيلفيو وهو يغادر مع صديقه:
"سنتركك الآن لترتاح، ومازالت الأيام بيننا، سنتعارف فيها أكثر".
"إن شاء الله، ومع السلامة".
ثم أغلق كريم الباب، وذهب لغرفة الضيوف وأخذ ما تبقى من الحلوى فوضعها في الثلاجة، وغسل أكواب الشاي، ثم أخذ حماما دافئا وخلد للنوم، حتى يستعد جيدا ليوم غد الذي سيكون أول يوم له داخل الشركة.
استيقظ على الساعة السابعة صباحا، ثم صلّ ما تيسر من ركعات يستقبل بها نهاره الجديد. أعد فطوره، ولبس بذلة رسمية اشتراها خصيصا لهذه المناسبة، وما كاد يكمل لباسه حتى دق الباب، فتح فوجد أنطونيو يبتسم في وجهه ويقول:
"صباح الخير سيد كريم، أرجو أن تكون قد نمت جيدا"
"صباح الخير سيد أنطونيو، الحمد لله، نمت كطفل صغير"
"أمستعد إذن للذهاب للشركة"
"طبعا، أنا على أتم الاستعداد"
"إذن هيا بنا"
"هيا بنا"
خرجا من العمارة، واستقلا سيارة الشركة الخاصة في اتجاه مقرها الرئيسي. توقفت السيارة أمام عمارة كبيرة بواجهة زجاجية ضخمة، وباب مزركش برموز فنية متقنة كُتب عليه اسم الشركة بحروف كبيرة "شركة أنفورماتيكا للأسهم المالية".
دخل كريم وهو يقول: "باسم الله، اللهم وفقني فيما أنا مُقبِل عليه، آمين"، ثم أخذ ينظر وهو فاغر فاه من شدة الإعجاب لما يراه من حوله، موظفون يعملون كخلية نحل كبيرة، الكل منشغل بعمله، وشاشات بها أرقام وأسماء الشركات والأسهم المتداولة من مختلف بلدان العالم تحيط بالجميع. ربت السيد أنطونيو على كتفه، وقال له :
"تفضل سيد كريم من هنا من فضلك، سنذهب عند موظفة الاستقبال لتستلم موقعك وبطاقة عملك".
وقفا عند موظفة الاستقبال، وتبادلوا التحية جميعا، ثم قام كريم بالتوقيع على لائحة  الحضور، واستلم بطاقته الخاصة، التي كانت تحتوي على صورة شمسية له، واسمه، ونوعية عمله داخل الشركة، ثم أخبرته الموظفة في أي طابق يتواجد به مكتبه. شكرها كريم على ما قدمت له من معلومات، ثم توجه مع السيد أنطونيو إلى الطابق الثالث الذي يتواجد به مكتبه، لكن قبل أن يدخلا، طلب منه مرافقه أن يقابل السيد المدير العام من أجل معرفة سياسة الشركة. وافقه كريم على الفور وهو متحمس ومتوتر في نفس الوقت. وقفا أمام مكتب السيد المدير العام، فدعتهما سكرتيرته الخاصة بالجلوس إلى حين انتهاء المدير من اجتماع مهم، جلسا في مقعدين وثيرين، ثم سمعا صوت السيد المدير العام يقول عبر الانترفون:
"بياتريس، هل هناك من ينتظرني؟"
"نعم سيدي، السيد أنطونيو مع الموظف الجديد يريدان مقابلتك"
"إذن فليتفضلا، ولا تحوّلي لي أي مكالمة حتى أنتهي من مقابلتهما"
"حاضر سيدي"
ثم دعتهما للدخول وهي تفتح باب مكتب المدير. اعترى التوتر جسد كريم، وأخذت دقات قلبه تتسارع وهو ينظر إلى رجل في الخمسينيات من عمره، خطّ الشيب بعض شعر رأسه، قصير القامة، مكتنز البطن، عريض المنكبين، ويدخن سيجارا كوبيا فاخرا. ابتسم لهما ودعاهما للجلوس،
و
يتبع..

الأحد، 20 مايو 2012

من سيكون رئيسا لمصر؟؟



بعد أن تقلص عدد مرشحي الرئاسة بجمهورية مصر العربية إلى 13 مرشحا، أخذت الأنظار تتوجه نحو خمسة منهم بحكم تاريخهم ومواقفهم وانتماءاتهم، وهم السادة:
عمرو موسى، أحمد شفيق، محمد مرسي، عبد المنعم أبو الفتوح، وأخيرا حمدين صباحي.
سأقوم بتحليل بسيط لكل هاته الأسماء، وسأستخلص في الأخير الرئيس المحتمل حسب استقرائي للواقع بكل موضوعية.
بالنسبة للمرشحين "محمد مرسي" و"عبد المنعم أبو الفتوح"، ولو أن هذا الأخير ترشح بصفته مستقلا، إلا أنهما يشربان من نفس المعين وهو حركة الإخوان المسلمين. هاته الحركة، تضعها الولايات المتحدة ضمن القائمة السوداء، ومن الطبيعي أن تعترض على صعود أحد هذين المرشحين، وستشكك في نزاهة الانتخابات حتى ولو كانت ديمقراطية وشفافة، ومن الصعب أن تضع يدها في يد أحدهما، لأن القائمة السوداء مازالت حاضرة.
أما عن المجلس العسكري المصري، فهو أيضا سيشعر بالحرج إن نجح أحد المرشحين الإسلاميين، لا لشيء إلا لأن السيد محمد مرسي أو السيد أبو الفتوح، سيراجعان مواقف مصر مع الكيان الصهيوني، وقد تتأزم العلاقات فيما بينهما أكثر وأكثر، وهذا ما لا يرغبه المجلس العسكري، خصوصا وأن التطبيع مع "إسرائيل" هو الضمان لمعونات مادية تأتيه من دولة العم سام، وبالتالي، قد يعرقل المجلس العملية الانتخابية وفرز الأصوات ولو بطريقة غير مباشرة كي لا يفوز أحد هذين المرشحين.
أما بخصوص المواطنين المصريين، وبالأخص المنتمين منهم لجماعة الإخوان المسلمين، فقد نجد انقساما فيما بينهم، فالبعض سيتجه نحو التصويت على السيد عبد المنعم أبو الفتوح باعتباره كان حاملا لمشعل الانفتاح داخل الجماعة، ولما عُرف عنه من وسطية واعتدال، ولو أنه تم فصله منها بعد أن رشّح نفسه مباشرة بعد خلع الرئيس السابق مبارك. أما البعض الآخر من المصوتين، فسيضعون ثقتهم في السيد محمد مرسي باعتباره الممثل الرسمي للإخوان بعد أن تم إلغاء ترشيح السيد الشاطر.
ونأتي إلى السادة: "عمرو موسى" و"أحمد شفيق"، هؤلاء محسوبون على النظام السابق، أو كما يطلق عليهم "الفلول". لديهما مصداقية عند المجلس العسكري بحكم معاشرتهما لهم أيام حكم حسني مبارك، إضافة إلى علاقاتهما الطيبة مع الولايات المتحدة والغرب بصفة عامة. لكن المشكلة تكمن في المواطنين العاديين الذين قاموا بالثورة من أجل الإطاحة بالنظام المباركي الفاسد، هذا النظام الذي هو محسوب على هذين المرشحين المرشحين، وبالتالي من الصعب أن يتم التصويت لهما بأغلبية ساحقة، اللهم إلا إذا تم استعمال الأموال لشراء الضمائر الضعيفة.
وأخيرا المرشح الرئاسي "حمدين صباحي"، أحد  المرشحين المستقلين، عرف عنه معارضته لسياسة مبارك. إن فاز بالرئاسة لن يجد المجلس العسكري المصري ولا الدول الغربية حرجا في قبوله، ولن يعترضوا عليه، لسببين اثنين، الأول: أنه لا ينتمي إلى الحركة الإسلامية في شخص الإخوان المسلمين، والثاني: أنه لا يُحسب على "الفلول"، بل مستقل استقلالية تامة. لكن مشكلته أنه ذو مرجعية ناصرية، وقد يتخوف البعض من أنه سيعمل على إحياء هذا التوجه من جديد.
في النهاية، المحتمل الرئيسي لرئاسة مصر قد يكون في المرتبة الأولى: إما السيد "حمدين صباحي"، أو السيد "عبد المنعم أبو الفتوح"، وفي المرتبة الثانية: السيد "عمرو موسى"، ويليه السيد "محمد مرسي"، وأخيرا السيد "أحمد شفيق".
ولو أني أفضل أن يجرب المصريون نظاما جديدا، فقد جربوا الحكم الناصري، والحكم الاشتراكي فلا ضير أن يجربوا الحكم "الإخواني" في شخص السيد "عبد المنعم أبو  الفتوح".
وفي الأول والأخير، يبقى الحسم في يد صناديق الاقتراع، وفي يد ضمائر الشعب المصري الحر.

حفظ الله مصر، وشعب مصر

الجمعة، 18 مايو 2012

خلف الأسوار -ج5


لمن فاتته الأجزاء السابقة، إليكم روابطها:

***************

خفقت قلوب عائلة كريم وحبيبته، فنظر إليهم وقال وهو يبتسم:
"لقد حانت اللحظة التي انتظرناها طويلا".
ثم توجه نحو والدته، فقبّل رأسها ويديها، وسألها الدعاء له بالتوفيق، فقالت له:
"أنا راضية عنك يا بني، صحبتك السلامة"، وأخذت تقبّله والدموع تنهمر منها، كأنها لن تراه بعد الآن.
ثم نظر كريم إلى والده، وقبّل يديه، وطلب منه نفس الطلب، فقال والده:
"صحبتك السلامة يا بني، وأنصحك بالمحافظة على صلاتك، وفروض دينك، فأنت ستذهب لبلاد غارقة في الفتن. فاحفظ الله يحفظك، وكلما ذاقت بك ذائقة فتوجه إليه بالمناجاة ليُيَسّر لك كل أمورك، وأسأله سبحانه أن يوفقك في عملك الذي أنت مُقبل عليه".
"سأفعل يا والدي إن شاء الله. سأعمل بجد وتفان كما ربّيتني وعلّمتني، وسأواظب على فروضي الدينية كلها، فالمسلم هو سفير لدينه في حلّه وتِرحاله".
"صدقت يا بني، المسلم سفير لدينه في كل مكان"، قالها الحاج أحمد وهو يبتسم في وجه ابنه.
بعد ذلك اقترب كريم من حبيبته سعاد، فاحتبست الكلمات في حلقه. هي أيضا لم تستطع الكلام، فتركت الدموع تنهمر من خديها الورديتين، ثم أدخلت يدها في جيب سترها وأخرجت صورة لها مدّتها لكريم الذي نظر إليها مبتسما وقال:
"عزيزتي، سأضع هاته الصورة داخل القلب والروح والوجدان، فهناك مكانها، وسأراسلك باستمرار"، ثم قبّل جبينها، وحمل حقيبته وتوجه نحو البوابة التي طُلب منه التوجه إليها.

أخذت عيون والديه وحبيبته تتابعه إلى أن غاب عن الأنظار، فعاد كل واحد منهم إلى منزله.
استقلّ كريم الطائرة، وجلس على المقعد المخصص له وهو يتلو دعاء السفر، ثم سمع المضيفة تقول للراكبين بثلاث لغات: "مرحبا بكم على متن سفينة الخطوط الملكية المغربية، المرجو من جميع الركاب المحترمين ربط أحزمة الأمان وغلق كافة الأجهزة الإلكترونية لضمان سلامتكم. نتمنى أن تمضوا رحلة ممتعة معنا"، ثم أغلقت جهاز الأنترفون.
أغمض كريم عينيه واستغرق في النوم إلى أن أيقظته مضيفة من غفوته وهي تقول له مبتسمة: "سيدي، تفضل قائمة الطعام الذي لدينا، اختر ما تريد منها".
أجابها بابتسامة مماثلة قائلا: "لا أريد طعاما، فقط لو أمكن، أريد عصير البرتقال، وقطعة من الحلوى".
"سيكون جاهزا بعد قليل".
"شكرا لك".
"العفو".
ثم تركته المضيفة، لتذهب عند باقي الركاب. بعد برهة من الزمن، عادت إليه المضيفة وهي تحمل كوبا من عصير البرتقال الطازج، مع قطعة حلوى. شرب كريم العصير والتهم الحلوى، ثم عاد للنوم مرة أخرى إلى أن استفاق على وقع صوت مضيفة تطلب من الراكبين ربط أحزمة الأمان مرة أخرى لأن الطائرة ستهبط على مطار إيطاليا الدولي، بعد أن قضت ما يقارب ثلاث ساعات في الجو. ربط الجميع أحزمتهم، ثم هبطت الطائرة بسلام.
نزل كريم من سلم الطائرة، وأخذ يستنشق هواء إيطاليا الذي كان يُمني نفسه به، ثم توجه نحو المكان المخصص للأمتعة في خطوات رشيقة. حمل حقيبته بيده، توجه بعد ذلك إلى المكان المخصص للاستقبال، فشاهد ساحة كبيرة تعج بالمسافرين وأهاليهم، يتبادلون القبلات والتّحايا، وفي زاوية شاهد مجموعة من الأشخاص يحملون لوحات بها أسماء الآتون إلى إيطاليا. أخذ يبحث عن اسمه بتوتر حتى قرأه في لوحة يحملها شخص متوسط القامة، أسود الشعر، حليق الذقن، يبدو عليه أمارات موظف الشركة التي سيعمل فيها.
توجه إليه كريم مباشرة وقال له مبتسما باللغة الإيطالية:
"سيدي، مرحبا، أنا صاحب هذا الاسم".
نظر إليه الموظف، وابتسم بدوره وقال:
"مرحبا بك سيدي كريم بإيطاليا، نرجو أن يعجبك المقام بيننا". ثم أردف قائلا: "اسمي أنطونيو، أحد موظفي شركة المعلوميات بروما، طُلب مني أن أستقبلك بالمطار وأن أكون دليلك لهذا اليوم حتى تستقر في المكان الذي خصّصناه لك".
"المكان الذي خصصتموه لي"، قالها كريم بتعجب وهو يهز حاجبيه.
فأجابه أنطونيو قائلا:
"نعم سيدي، شركتنا من مميزاتها أن تأخذ على عاتقها توفير السكن لمستخدميها بالقرب من مقرها الرئيسي، حتى لا يضطروا إلى البحث عنه في مناطق بعيدة قد تعيق حركة إنتاجيتهم".
علَت السّعادة قلب كريم بسماعه لهذا الامتياز الذي كان يحمل همّا كبيرا له، ثم قال:
"أظن أني محظوظ بهذا العمل إذن".
ضحك الاثنان، ثم استقلا سيارة خاصة في اتجاه الإقامة الخاصة بالمستخدمين. توقفت السيارة أمام عمارة كتب على بابها الرئيسي "مقر سكنى موظفي شركة انفورماتيكا للأسهم المالية"، ثم دخل كريم وأنطونيو إليها، وصعدا المصعد نحو الطابق الرابع. مدّ أنطونيو مفتاح شقة كريم، وطلب منه أن يكون أول من يدخل لتلك الشقة.
"باسم الله، على بركة الله"، قالها كريم وهو يدير مفتاح منزله الجديد، ثم دخل وهو فاغر فاه من شدة إعجابه بمقر سكناه، ثريا تتوسط غرفة الضيوف، سرير من النوع المريح بغرفة النوم، ومطبخ من الطراز الرفيع، لم يشاهده إلا على شاشات التلفاز، وحمام برخام إيطالي أصلي. ثم نظر إلى أنطونيو قائلا:
"هل هذا منزلي حقا؟؟!"
"نعم، هو كذلك سيدي" قالها أنطونيو وهو يبتسم، وأردف: "كل شقق هاته العمارة مثل هاته، فشركتنا لا تميز بين موظفيها، فهي تأخذ بمبدأ السّواسية في كل شيء".
"إذن، سأعمل بكل جهد وتفان" قالها كريم وهو ينظر إلى منزله الجديد بانبهار تام.
"هذا ما نأمله منكم سيدي، وبعد إذنكم، سأترككم الآن لتأخذوا قسطا من الراحة، وغدا سأعرفكم على مقر الشركة الرئيسي".
"تفضل سيدي أنطونيو، صحبتك السلامة".
ثم صافح كل واحد منهما الآخر، فغادر أنطونيو وترك كريم يجوب غرف منزله بسعادة وهو يقول في نفسه: "أين أنت يا سعاد حتى تري هذا المنزل".
بينما هو يتجول في كل ركن من سكناه إذ به يسمع رنين بابه، فاستغرب وتوجه نحو الباب وتساؤلات عديدة تدور في مخيلته عن ماهية هذا الزائر،
و
يتبع..

الاثنين، 14 مايو 2012

وَهْم الانتخابات الديمقراطية في الجزائر






شهدت الجزائر انتخابات تشريعية صُرّح بأنها "شفافة" في بداية الأمر، لكن مع فرز النتائج وفوز حزب "جبهة التحرير الوطني" الحاكم ب 220 مقعدا من أصل 462، ويليه حليفه حزب "التجمع الوطني للأحرار" ب 68 مقعدا، لَيَدعو للشك والريبة، خصوصا وأن الأحزاب الإسلامية التي كانت الأنظار متوجهة إليها، خصوصا بعد حمّى الإسلاميين الذين اعتلوا سدة الحكم في بعض البلدان العربية مثل (ليبيا- المغرب- تونس- مصر)، لم تفز مجتمعة إلا ب 66 مقعدا فقط. مما يحيلنا إلى التساؤل عن السبب في انتكاسة الإسلاميين في الانتخابات الجزائرية.
المتتبع عن كثب للشؤون الجزائرية ومجريات الحكم، ليلاحظ سيطرة الجيش في شخص جنرالاته على دواليب القرار. فليس من الحكمة أن تسمح للإسلاميين بالوصول للبرلمان حتى لا تكون لهم الكلمة المسموعة، وحتى لا يشرّعوا القوانين التي تخدم "مصالحهم" حسب هواجس الجيش ومن يدور في فلكه. لهذا من البديهي أن يتم منع هذه النتيجة بأي وسيلة كانت حتى ولو كان التزوير والغش في صناديق الاقتراع هو السبيل.
خلاصة القول، مادام الجيش يتحكم في القرار السياسي والاقتصادي بالبلد، فلن تقوم للجزائر قائمة، ولن نسمع عن ديمقراطية حقّة، ولن يكون هناك تقدم وازدهار إلا بعد فصل كافة السلط عن الجيش، ووضعه في مكانه الأصلي الذي يقتصر عن حماية البلاد من التهديدات الخارجية والداخلية وحماية الحدود. ما عدا هذا، فالحكومة والبرلمان والقضاء هم الأحق في تسيير دواليب الحكم بإيعاز من رئيس الجمهورية الذي عليه أن يرضخ لمتطلبات شعبه، لأن هذا الأخير هو الذي كان سببا في اعتلاء هذا الحاكم لكرسي الرئاسة.

الشعب يريد الثقافة وليس السخافة



الشاهد للحقل الثقافي في المغرب يلاحظ كثرة المهرجانات "الثقافية" التي يبتغي منظموها أن تجلب لهم السّياح أكثر من نشر الثقافة.
أكثر من أربعين مهرجانا ثقافيا في معظم المدن المغربية، يغلب عليها الطابع الغنائي والرقص أو الأفلام، ونادرا ما نجد مهرجانا ثقافيا بكل ما تحمل الكلمة من معنى، من مثل "الملتقى الشعري بفاس".
المغرب لا يحتاج للرقص والغناء في الوقت الراهن، لأنه يعيش مآسي كثيرة. فمن مشكلة البطالة التي يرزح فيها معظم شباب البلد، إلى الفقر المدقع الذي يعيش تحت ظله الغالبية الساحقة من المغاربة فالركود الاقتصادي.
ما أحوجنا إلى مهرجانات تنمّي حس الثقافة الفكرية والعلمية للمواطن المغربي، لأن بهذا النوع من الثقافات يمكن أن يكون لنا شأنا بين أقراننا من البلدان، فنفتخر بأن لدينا مهرجانات تحج إليها العقول عوض مهرجانات هز البطون.
وخير دليل على مهرجانات السخافة، مهرجان موازين البعيد كل البعد عن الثقافة، لأنه يأتي في وقت الطلبة والتلاميذ هم في أمس الحاجة إلى التركيز والمذاكرة لقرب امتحاناتهم، إضافة إلى الميزانية المفرطة التي تمنح لهذا المهرجان، الشعب المغربي هو أحوج إليها من غيره، خصوصا لمحاربة البطالة، ناهيكم عن الظرفية العربية الحرجة، خصوصا في سوريا وفلسطين، فكأن هذا المهرجان أتى ليرقص على جراح ومعاناة ليس الشعب المغربي فقط، بل الشعوب الثائرة الآن في الوطن العربي.
إن كنا سنلهو ونغني ونرقص، فبعد أن نحقق الاكتفاء الذاتي في منتجاتنا بكل أصنافها، وبعد أن نقضي على  الفقر والبطالة والسكن العشوائي، آنذاك، يمكن أن نستمتع بمهرجانات الغناء والفن والموسيقى، أما في وقتنا الراهن، فنحن أحوج إلى هاته الأموال التي تصرف على هاته المهرجانات، أو على الأقل أن تكون لدينا مهرجانات تنمي الفكر والعقل وليس الشّهوات والفجور.

الجمعة، 11 مايو 2012

خلف الأسوار -ج4


لمن فاتته الأجزاء السابقة، إليكم روابطها:

**********

في بيت كريم، كانت الحاجة خديجة تمشي في الصالة ذهابا وإيابا وهي تفرك أصابعها، وبين الفينة والأخرى ترفع بصرها إلى الأعلى وتدعو الله أن يوفق ابنها في اجتياز المقابلة على خير. وفي المقابل، كان والده يجلس على كرسيه صامتا، لكن بداخله تعتريه أحاسيس وانفعالات جياشة تمتزج بين الأمل وبين الخوف، ونظراته تتابع زوجته، ثم أخرج زفرة حاول من خلالها التخلص من انفعالاته وقال لزوجته:
"كفاك يا امرأة السير هنا وهناك، فقد أتعبت نظري، ورجلاك لا يحتملان المشي كثيرا".
"ماذا أفعل يا حاج، وقلبي مشوش على ابني".
"لا تخافي ولا تجزعي، فابننا سيحسن التصرف إن شاء الله".
"إن شاء الله، وهذا ما أأمله".
ثم جلست قرب زوجها، وأخذا معا ينظران نحو الباب وقلوبهما تنبض بشدة، وفجأة استدار مزلاج الباب ودلف كريم، فقام والديه معا دون أن ينطقا ببنت شفة، وفي داخلهما تعالت الانفعالات. نظر إليهما كريم، ثم ابتسم، وقبّل يد والده ورأس والدته، ثم قال:
"الحمد لله، لقد مرّت المقابلة على خير، وإني على يقين، إن شاء الله، أن ملفي سيتم قبوله".
على هاته المقولة، خرجت من والديه زفرة ارتياح، وقالا معا:
"الحمد لله".
مرّ أسبوع على المقابلة، وفي صبيحة يوم الخميس تلقى كريم اتصالا من السفارة الإيطالية يطلبون منه المجيء. لبس أحسن ما لديه من ثياب، وخرج ترافقه دعوات والديه، ثم توجه نحو السفارة بثقة.
انتظر دوره كالمعتاد أمام باب السفارة، ثم بعد ذلك دلف للداخل، حتى نودي عليه ليقابل تلك السيدة التي أجرت معه المقابلة أول مرة. حيّاها بابتسامة ودودة، فردّت عليه التحية بالمثل، ثم دعته للجلوس. جلس وهو ينظر إليها مباشرة وتساؤلات عديدة تدور في رأسه، وبدأت هواجس تلوح في الأفق، استفاق منها على كلام السيدة وهي تعبث بملفه بأناملها، قائلة:
"سيد كريم، بعد دراسة ملفك بروية وتمعن من قبل مختصّينا، قرّرنا أن نمنحك تأشيرة للذهاب لبلدنا، فهنيئا لك، ونأمل أن تكون مواطنا صالحا هناك".
احتبست الكلمات في حلق كريم، ولم يدر بما يجيب، سوى أنه قام وصافح السيدة بشدة، ودموع الفرح تنهمر من عينيه وهو يقول:
"الحمد لله.. الحمد لله، شكرا لك سيدتي.. شكرا لك كثيرا".
انصرف غير مصدّق ما سمعه، واستقل أول سيارة أجرة متوجها مباشرة نحو المنزل. أخذ يدق الباب كأنما يدق طبلا تحت إيقاع موسيقي، فهرولت والدته لتفتح وهي تقول:
"حسبك يا من بالباب"، لم تكمل الجملة حتى وجدت ابنها يضمها إليه بحنان، ويقبّل يديها ورأسها.. على هول المفاجأة لم تنطق والدته بأية كلمة، لكن بداخلها علمت أن مجيئه بهاته الطريقة ينبئ بخبر سار. كان حدسها على صواب عندما أخبرها كريم بمجريات المقابلة الثانية، فصدحت من حلقها زغرودة طويلة وهي تقول: "الحمد لله.. الحمد لله"، ثم هرعت مسرعة نحو والده الذي كان يستعد للذهاب للمسجد، وهي تقول: "يا حاج.. يا حاج.. لقد منحت السفارة الإيطالية ابننا تأشيرة الذهاب".
عند سماعه هذا الخبر، علت ابتسامة وجه الحاج أحمد وقال: "الحمد لله، أخيرا سيهنئ ابننا بالسعادة التي حُرم منها زمنا طويلا".
ثم توجه نحو كريم وضمّه إليه بحنان وهو يقول: "هنيئا لك بني.. ستدخل عالم الشغل والمسؤولية من أوسع أبوابها".
"سأكون عند حسن ظنكم أبتاه"، هكذا أجاب كريم وهو يبتسم ويقبل يدي والده. ثم استأذنهما للذهاب عند حبيبته ليبشرها بالخبر أيضا.
التقى كريم بسعاد في إحدى المقاهي الشعبية على ضفاف نهر وادي أبي رقراق، جلسا وكل واحد مقابل الآخر ينظران تارة للنهر، وتارة أخرى لبعضهما البعض. أمسك كريم يد سعاد برقة وقال لها وهو ينظر إلى عينيها مباشرة:
"حبيبتي.. لقد تم قبول ملفي للذهاب لإيطاليا".
"ياااااااه.. ألف مبروك عزيزي.. أخيرا حلمك.. أقصد حلمنا سيتحقق".
"نعم يا مهجة القلب.. سنحقق كافة أحلامنا".
"إن شاء الله".
 ثم تغيرت نبرة سعاد، لينخفض صوتها ويترقرق الدمع في عينيها، وهي تقول:
"متى ستقلع طائرتك؟"
أجابها كريم وهو يغير مكانه ليقترب منها:
"بعد عشرة أيام من الآن".
"ياااااه.. أ بهذه السرعة ستغادر؟؟ أخاف أن تذهب إلى هناك وتنساني، وتنسى كل ما كان بيننا".
"ماذا تقولين يا حمقاء.. وهل يستطيع شخص أن ينسى هذا الجمال، وهذا القمر الساطع في وضح النهار، فما بالك بالليل.. أبدا.. أبدا، ستبقى صورتك محفورة في القلب والذاكرة".
"الكل يقول هذا الكلام لمحبوبته، وفور مغادرته للديار ويلتقي بفتيات الغربة، ينحرف قلبه مائة وثمانون درجة، فلا يعد يتذكر حبيبته ولا يراسلها".
"بالله عليك، كلكن هكذا.. لا تتقن في محبوبكن حتى ولو أقسم بأغلظ الأيمان أنه لن يخون حبكن".
"هذه هي الحقيقة.. أليس كذلك؟؟"
"لا، حبيبتي، ليست هي الحقيقة. الحقيقة أني أحبك مادام هذا القلب –ووضع يده على قلبه- ينبض، ومادامت رئتاي تتنفس عطرك، فلا تخافي ولا تحزني".
على هذا الكلام، ارتاحت سعاد، ودعت له بالتوفيق في مشواره الجديد، وذكرته بأن يراسلها كلما سنحت له الفرصة، فوعدها بذلك، وعادا تعلوهما الابتسامة إلى حيهما.
مرت العشرة أيام بسرعة، وها هو كريم يَصْحبُه والداه وحبيبته إلى مطار محمد الخامس بمدينة البيضاء. وقف الجميع في بهو المطار، وأخذ كريم يفحص جواز سفره وتذكرته، ويراقب شاشة المطار ليتأكد من موعد الرحلة المتوجهة نحو إيطاليا. سمع صوت سيدة تقول عبر مكبر للصوت: "المرجو ممن سيسافر عبر الرحلة رقم 353 والمتوجهة نحو إيطاليا، أن يتوجه الآن نحو الممر رقم 4".
خفقت قلوب عائلة كريم وحبيبته، فنظر إليهم
و
يتبع..

الأحد، 6 مايو 2012

كلنا مع دفاتر التحملات.. كلنا ضد عرقلة الإصلاح


دعت تنسيقية دعم الإصلاح العمومي في صفحتها "كلنا مع دفتر التحملات" على الموقع الاجتماعي الفايس بوك إلى وقفة أمام مقر القناة الثانية المغربية بالعاصمة الرباط، يوم  الأحد 6 ماي 2012 من الساعة الخامسة والنصف مساء حتى السادسة والنصف مساء. وسبب هذه الوقفة كما جاء على صفحتهم هو ردا "على التشويش المتعمد لمشروع الإصلاح الذي قد يؤدي بالوطن إلى العودة للوراء، وبسبب حرص التنسيقية على حفظ  النموذج المغربي المميز.. أي التغيير والإصلاح في إطار الاستقرار" .

حجّ إلى مكان اللقاء بعض النشطاء الفايسبوكيين، رددوا خلال الوقفة شعارات مناهضة لسياسة الإعلام الحالية بالمغرب من قبيل "الشعب يريد إصلاح الإعلام"، "الإعلام العمومي لا ثقافة لا ترفيه..غير السخافة والتسفيه".
وفي الأخير، تم تلاوة بيان ختامي شدد على إصلاح الإعلام وذلك باعتماد دفتر التحملات، والإعلان عن تأسيس "التنسيقية الوطنية للإعلام المواطن" الذي سيدشن أول نشاط له برسالة موجهة إلى كل من السيد وزير الإعلام والاتصال، والسيد مدير القطب العمومي، ومن أهم ما جاء فيها الدعوة إلى التحالف مع قوى الحية من أبناء الشعب الطامح للإصلاح وشفافية التدبير من أجل مواجهة لوبي الفساد الإعلامي الذي لا يطمح لإخراج دفتر التحملات إلى حيز الوجود، ثم القطع مع مرحلة الفساد السابقة من أجل الشروع في إنجاز إصلاح حقيقي الذي لن يتحقق إلا بتفعيل مقتضيات الإصلاح. وقد طالبت الرسالة في الأخير السيد وزير الإعلام بالعمل مع مدير القطب العمومي من أجل عقد المجلس الإداري للقناة الثانية، واستتباعه بإجراء افتحاص خارجي يكون من شأنه تشخيص الوضعية المالية والإدارية للقناة، قبل الشروع في تطبيق مقتضيات دفتر التحملات.

************
البيان الختامي






السبت، 5 مايو 2012

خلف الأسوار -ج3


لمن فاتته الأجزاء السابقة، إليكم روابطها:
الجزء الأول
الجزء الثاني

***************


استقل سيارة أجرة، وأخذ يغني بسعادة طيلة طريقه إلى السفارة. توقفت السيارة بالقرب من بناية ضخمة يحرسها عدد من رجال الأمن، وكتب على لوحة نحاسية ببابها الرئيسي "سفارة جمهورية إيطاليا"، فخرج كريم وهو يعدل هندامه ويفحص أوراقه للمرة الأخيرة، ثم وقف كغيره في صف طويل، وانتظر دوره إلى أن حان.
دلف إلى غرفة تفوح منها رائحة الياسمين، وتتوسط سقفها ثريا من الكرستال الخالص. أخذ يمتع ناظريه بلوحات لكبار الرّسامين العالميين إلى أن سمع صوتا أخرجه من عالمه.. صوت دافئ أزاح عنه بعض توتره، لامرأة في العشرينيات من العمر، شقراء الشعر، زرقاء العينين، ترتدي سترة رسمية أضافت إليها وقارا. دعته إلى الجلوس وابتسامة ودودة تعلو محياها. استجاب لها كريم وقد اعتراه الارتباك مرة أخرى. جلس وهو يفرك أصابعه من التوتر بعد أن مدّ إليها كافة أوراقه. تفحصتها الموظفة بتمعن، وبين الفينة والأخرى تنظر إليه، ثم قالت:
"كل أوراقك سليمة، لكن ما أود معرفته لماذا تريد العمل في إيطاليا؟"
استجمع كريم شجاعته وحاول أن يخفي توتره وأجاب:
"سيدتي، لقد أتاني عرض من شركة بدولتكم العظيمة كي أعمل بها".
"جيد، لكن هل لديك مهارات تساعدك على العمل عندنا؟"
"أنا واتق من قدرتي على الاندماج ببلدكم، لأني اجتماعي بطبعي، وأتقن اللغة الإيطالية جيدا".
" ما الأعمال التي قمت بها هنا وتحس أنها منحتك خبرة كافية يمكن أن توظفها في أي بلد؟"
"سيدتي، بما أني أحمل دبلوم في برمجة المعلوميات، إضافة إلى الإجازة في الاقتصاد، فقد عملت في العديد من الشركات التي تمازج بين هذين التخصصين مما أكسبني خبرة واسعة، إضافة إلى أني سريع التعلم والتأقلم مع أي وسط عملي".
"حسنا، سندرس ملفك ونخبرك بقرارنا في نهاية الأسبوع".
"شكرا لكم، وإلى اللقاء".
خرج كريم والفرحة تغمره، وتوجه صوب حديقة الزهور مكان اللقاء مع حبيبته.
من بعيد رأته يمشي في خطوات رشيقة، معتمرا قبعة وقميصا أزرق فاتح اللون، وسروالا أسود، ويلتفت يمنة ويسرة باحثا عنها. عَلت وجهها ابتسامة طفولية، وأخذت تتفحص هندامها وتسريحة شعرها، ثم وقفت وأشارت إلى كريم وهي تناديه:
"كريم.. كريم، أنا هنا".
سمع كريم صوتها، فاستدار ليجدها تشير إليه بيدها وهي تبتسم. توجه نحوها فاتحا ذراعيه وضمها إليه بقوة وسعادة كبيرة تغمره، وقال لها:
"لقد اجتزت اليوم مقابلة في السفارة الإيطالية، ولدي إحساس أن ملفي سيقبل إن شاء الله".
"إن شاء الله عزيزي".
على هاته الكلمات المتفائلة، أمسك كل واحد بيد الآخر، وتوجها نحو حيّهما ليبشرا والديهما، ويخبرانهما بمجريات المقابلة.

يتبع..