أكرمنا الله سبحانه بنعمة الإسلام، ومن علينا بنبي هو خير الخلق أجمعين سيدنا ومولانا محمد صلى الله عليه وعلى وآله وصحبه وإخوانه وحزبه.
ومن عطاء الله علينا، أن من علينا بأعمال قد يراها البعض صغيرة الحجم، لكن أجرها عنده سبحانه كبير، فيضاعف لنا بها الحسنات أضعافا مضاعفة، ويغفر لنا بها الذنوب. من بين هذه الأعمال الصيام، لن أقول صيام الفرض وهو (رمضان، أو الكفارة أو النذر)، ولكن صيام التطوع أو المندوب (كصيام يوم الاثنين والخميس، الست من شوال، صيام يوم وإفطار يوم، صيام أيام البيض، يوم عرفة، النصف من شعبان، عشرة أيام من ذي الحجة). كل يوم من هاته الأيام عبارة عن "آلة غسيل" و"خياطة"، فهي تغسل الذنوب والأدران التي علقت بنا منذ أن وصلنا لسن التكليف، وتخيط لنا ما مزق من أنفسنا جراء الغفلة، فنعود بذلك إلى طريق الجادة..
أحبتي الكرام،
ها نحن نستقبل شهرا، ليس ككل الشهور، فهو أحد الأشهر الحرم التي قال فيها الله سبحانه: "إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم" التوبة.
شهر، عظم الله فيه الذنوب، وجعل العمل الصالح فيه أعظم وأكبر. عن هذا الأمر، اخبرنا قتادة رضي الله عنه حيث قال: "إن الظلم في الأشهر الحرم أعظم وزرا وخطيئة من الظلم فيما سواها"، وقال أيضا:" إن الله اصطفى صفايا من خلقه، اصطفى من الملائكة رسلا، ومن الناس رسلا، واصطفى من الكلام ذكرا، واصطفى من الأرض المساجد، واصطفى من الشهور رمضان والأشهر الحرم، واصطفى من الأيام يوم الجمعة، واصطفى من الليالي ليلة القدر، فعظموا ما عظم الله".
وقد خص الله تعالى فيه يوما من خير الأيام التي يستحب فيها الصيام وهو يوم عاشوراء، الذي نجا فيه الله سبحانه نبيه موسى عليه السلام من فرعون. فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ فَرَأَى الْيَهُودَ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَقَالَ مَا هَذَا، قَالُوا هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ، هَذَا يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ فَصَامَهُ مُوسَى، قَالَ فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ. " رواه البخاري.
فضل صيام عاشوراء
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَحَرَّى صِيَامَ يَوْمٍ فَضَّلَهُ عَلَى غَيْرِهِ إِلّا هَذَا الْيَوْمَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَهَذَا الشَّهْرَ يَعْنِي شَهْرَ رَمَضَانَ." رواه البخاري
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "صيام يوم عاشوراء، إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله." رواه مسلم
أي يوم هو عاشوراء
قال النووي رحمه الله: عَاشُورَاءُ وَتَاسُوعَاءُ اسْمَانِ مَمْدُودَانِ, هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي كُتُبِ اللُّغَةِ، قَالَ أَصْحَابُنَا: عَاشُورَاءُ هُوَ الْيَوْمُ الْعَاشِرُ مِنْ الْمُحَرَّمِ, وَتَاسُوعَاءُ هُوَ التَّاسِعُ مِنْهُ هَذَا مَذْهَبُنَا, وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ،.. وَهُوَ ظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ وَمُقْتَضَى إطْلَاقِ اللَّفْظِ, وَهُوَ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ.
وقال ابن قدامة رحمه الله:
عَاشُورَاءَ هُوَ الْيَوْمُ الْعَاشِرُ مِنْ الْمُحَرَّمِ. وَهَذَا قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ, وَالْحَسَنِ; لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ, قَالَ: {أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِصَوْمِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ الْعَاشِرِ مِنْ الْمُحَرَّمِ}. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ, وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ, أَنَّهُ قَالَ: التَّاسِعُ، وَرُوِيَ {أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَصُومُ التَّاسِعَ}. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ بِمَعْنَاهُ. وَرَوَى عَنْهُ عَطَاءٌ, أَنَّهُ قَالَ: {صُومُوا التَّاسِعَ وَالْعَاشِرَ وَلا تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ} فإذَا ثَبَتَ هَذَا فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ صَوْمُ التَّاسِعِ وَالْعَاشِرِ لِذَلِكَ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ. وَهُوَ قَوْلُ إسْحَاقَ. ومما روي عن ابن عباس - رضي الله عنهما- أنه قال: ((حين صام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء وأمر بصيامه، قالوا: يا رسول الله ! إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((فإذا كان العام المقبل، إن شاء الله، صمنا اليوم التاسع)). قال: فلم يأت العام المقبل حتى تُوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفي رواية: ((لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع)).
وعن الحكم بن الأعرج قال: انتهيت إلى ابن عباس - رضي الله عنهما- وهو متوسد رداءه عند زمزم، فقلت له: أخبرني عن صوم عاشوراء ؟ فقال: إذا رأيت هلال المحرم فاعدد، وأصبح يوم التاسع صائماً. قلت: هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه ؟ قال: ((نعم)).
وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: ((أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بصوم يوم عاشوراء يوم العاشر)).
وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((صوموا يوم عاشوراء، وخالفوا فيه اليهود، وصوموا قبله يوماً أو بعده يوماً)).
قال ابن قيم الجوزية: (فمن تأمل مجموع روايات ابن عباس، تبَّين له زوال الإشكال، وسعة علم ابن عباس - رضي الله عنهما -، فإنه لم يجعل عاشوراء هو اليوم التاسع، بل قال للسائل:((صم اليوم التاسع))، واكتفى بمعرفة السائل أن يوم عاشوراء هو اليوم العاشر الذي يعده الناس كلهم يوم عاشوراء، فأرشد السائل إلى صيام التاسع معه، وأخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصومه كذلك، فإما أن يكون فعل ذلك هو الأولى، وإما أن يكون حمل فعله على الأمر به، وعزمه عليه في المستقبل، ويدل على ذلك أنه هو الذي روى: ((صوموا يوماً قبله ويوماً بعده)) وهو الذي روى: ((أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بصوم يوم عاشوراء يوم العاشر)). وقال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله -: (فإن اشتبه عليه أول الشهر صام ثلاثة أيام، وإنما يفعل ذلك ليتيقن صوم التاسع والعاشر).
استحباب صيام تاسوعاء مع عاشوراء
روى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قال: حِينَ صَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ، قَالَ فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. رواه مسلم.
قال الشافعي وأصحابه وأحمد وإسحاق وآخرون: يستحب صوم التاسع والعاشر جميعا; لأن النبي صلى الله عليه وسلم صام العاشر, ونوى صيام التاسع.
وعلى هذا فصيام عاشوراء على مراتب أدناها أن يصام وحده، وفوقه أن يصام التاسع معه، وكلّما كثر الصّيام في محرّم كان أفضل وأطيب.
صيام عاشوراء ماذا يكفّر؟
قال الإمام النووي رحمه الله:
يُكَفِّرُ كُلَّ الذُّنُوبِ الصَّغَائِرِ , وَتَقْدِيرُهُ يَغْفِرُ ذُنُوبَهُ كُلَّهَا إلا الْكَبَائِرَ.
ثم قال رحمه الله: صَوْمُ يَوْمِ عَرَفَةَ كَفَّارَةُ سَنَتَيْنِ, وَيَوْمُ عَاشُورَاءَ كَفَّارَةُ سَنَةٍ, وَإِذَا وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ... كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ صَالِحٌ لِلتَّكْفِيرِ فَإِنْ وَجَدَ مَا يُكَفِّرُهُ مِنْ الصَّغَائِرِ كَفَّرَهُ, وَإِنْ لَمْ يُصَادِفْ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً كُتِبَتْ بِهِ حَسَنَاتٌ وَرُفِعَتْ لَهُ بِهِ دَرَجَاتٌ,.. وَإِنْ صَادَفَ كَبِيرَةً أَوْ كَبَائِرَ وَلَمْ يُصَادِفْ صَغَائِرَ, رَجَوْنَا أَنْ تُخَفِّفَ مِنْ الْكَبَائِرِ. المجموع شرح المهذب ج6 صوم يوم عرفة.
وقال ابن تيمية رحمه الله: وَتَكْفِيرُ الطَّهَارَةِ, وَالصَّلَاةِ, وَصِيَامِ رَمَضَانَ, وَعَرَفَةَ, وَعَاشُورَاءَ لِلصَّغَائِرِ فَقَطْ. الفتاوى الكبرى ج
فاغتنموا ، أحبتي الكرام -جزاكم الله خيرا- هذا اليوم، وصوموه علّ الله سبحانه يغفر لنا به ذنوب سنة خلت، فما أحوجنا لمغفرته سبحانه في زمن كثرت فيه الفتن والمعاصي..
ودمتم جميعا في رعاية الرحمن وحفظه
الله يجزيك الخير
ردحذفالدنيا فرص! فلنغتنم و نجتهد
الهم ارزقنا صيام عاشوراء يا رب :)
ردحذفجزاكم الله خيرا
ردحذففذكر فان الذكرى تنفع المؤمنين
ردحذفجزاك الله خيرا أخي وربي يهدينا جميعا لما فيه الصلاح
السلام عليكم ورحمة الله
ردحذفبارك الله فيك اخي على هذا الموضوع المميز والمعلومات القيمة
جعله الله في ميزان حسناتك وتقبل الله منا ومنك صيام يوم عاشوراء
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
ردحذفكعادتك خويا خالد،
هنا لتذكرنا ..جزاك الله خيراً عنا.
كم أحب الصيام ، وعاشوراء موجودة بشدة في قاموس صيامنا بالبيت الحمدلله..
صيام اليوم التاسع والعشر،
فيما خالتي الحاجة تصوم منذ اول محرم الحمدلله.
تقبل الله عز وجل منا ومنكم ..
جزاك الله خيرا أخي الكريم..
ردحذفو هدانا الله جميعا للطريق القويم..
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته
ردحذفجزاك الله خيراً وجعله في ميزان حسناتك .✿. شكراً للتذكرة
السلام عليكم
ردحذفنفعنا الله بما قدمت من تذكرة محفوفة بالأدلة من السنة المطهرة.
جزاك الله عنا كل خير
بركت أخي خالد على التذكير وجعله الله في ميزان حسنتك، ولكن ليتنا التزمنا بشرع ربنا...
ردحذفلولا اليهود ، ما درى النبي فضل صيام هذا اليوم
ردحذفالسلام عليكم ورحمة الله
ردحذفجزاك الله خيرا خالد على التذكرة الطيبة والمعلومات القيمة بارك الله فيك
كل سنة وانت بكل خير وامن وسلام
تقبل الله منا ومنك صالح الاعمال
مجهود طيب اخى العزيز
تحياتى لك وتقديرى
بوركت أخي خالد على التذكير والموضوع القيم
ردحذفجزاك الله خيرا
مودتي
السلام عليكم
ردحذفإن دل هذا على شيء فهو يدل على رحمة الله عز وجل بهذه الامة إذ رتب كل هذا الجزاء العظيم في صيام يوم واحد ومعه يوم قبله او بعده
وان صامه وحده نال الأجر ايضاً واما ان صام قبله وبعده نال اجر المخالفه ..
فسبحان الله العظيم
جزيت اخي الكريم خيرا على هذه التذكرة وجعلها في ميزان حسناتك .
جزاك الله خيرا على التذكير أخي خالد
ردحذففي ميزان حسناتك ...يارب
اللهم اصبح امور المسلمين كافة بوركت اخي
ردحذفاللهم علمنا ما ينفعنا وزدنا علما والدال على الخير كفاعله جزاك الله خيرا
ردحذفجزاك الله خيراً وكل عام وانت بخير
ردحذف