أحببت أن أشكر في هذا
المقام أخي وحبيبي "رشيد أمديون" صاحب مدونة "همسات الروح والخاطر"، و "أضواءعلى العالم"، و"لغة الضاد"، لما حباني به من كريم فضل بأن قام
بقراءة نقدية لعملي المتواضع "خلف الأسوار"، فكان خير الناقد وخير
الناصح بدراسته المتأنية، وبعد نظره للأحداث.. فجزاه الله عني كل خير..
أترككم الآن مع دراسته،
فاستمتعوا بها كما استمتعت بها.
********************
هذا نقد متواضع جدا لقصة خلف الأسوار. وقد أسعدني أن أقوم بهذه القراءة لعمل أدبي جميل لكاتب أكن له التقدير والاحترام.. كاتب عهدته مبدعا في مجال القصة القصيرة، والقصيرة جدا. كتب في مجالات متعددة ومتنوعة: سياسية واجتماعية وعاطفية...
وإني أرجو أن أكون موضوعيا في هذا النقد، وهذا ما أتحراه. فكما هو معلوم أنه إن كان لكل عمل أدبي جوانب قوية تعكس الإبداع والجمال، فله كذلك جوانب النقص والضعف، قد يغفل عنها الكاتب غير متعمد. وظيفة الناقد أن يظهر جمالية العمل الأدبي، وأن يشير إلى أماكن الخلل إن كانت، أو على حسب نظرته وقراءته.. ولست أعتبر نفسي متخصصا في النقد، غير أنه لدي محاولات بسيطة وخجولة أتمنى أن ترتقي إلى المستوى المطلوب.
مقدمة:
لا يخفى على الجميع، خاصة من يكتبون الرواية، أن العمل الأدبي الطويل يحتاج من كاتبه الصبر والتريث ، وبُعد نظر مع خيال واسع حتى يتمكن من خلق الأحداث بطريقة متسلسلة، ويبني كل حدث على الذي سبقه بشكل سببي غير مخل للحبكة القصصية ولا معرقلا للسرد.
بين أيدينا قصة طويلة بعنوان: خلف الأسوار، تكاد إلى حد ما تشبه الرواية القصيرة. اعتمدت على التراخي والاتساع الزمني وتنوعه - فالزمان في القصة متنوع ومتعدد- كما اعتمدت على كثرة الشخصيات، وتنوع الأماكن، واختلاف الأحداث وتدرجها... كل هذا يجعلها تشبه أو تماثل النسق الروائي من ناحية الهيكل والعناصر.
عنوان القصة:
خلف الأسوار؛ عنوان عند قراءته أول مرة
يحيل على مفاهيم متعددة: العراقيل، الاحتجاز، الاحتجاب: بمعنى أن الأسوار المعنوية
قد تحجب أشياء واقعة. أي أن ما لا نراه تحجبه أسوار البعد أو حتى أسوار الغيب.
هذه المفاهيم كـأنها
تكاثفت وتبلورت في القصة، وهذا يتضح حين نتابع أحدثها بشكل تأملي.
نجد الأسوار المعيقة لكريم (الشخصية المحورية) والتي كان لابد أن يتجاوزها أو يتسوّرها كنوع من التحدي لكل الصعاب. ومنها أيضا: أزمته الاقتصادية المتمثلة في - سور- البطالة والعطالة التي عرقلت تقدمه زمنا، وكيف كان يمني نفسه أن يجد مخرجا لأزمته التي تمثل الهاجس الأول قبل كل شيء حتى ينطلق إلى الأمام، ويبني مستقبله مع رفيقة حياته التي اختارها وأحب الارتباط بها.
نجد الأسوار المعيقة لكريم (الشخصية المحورية) والتي كان لابد أن يتجاوزها أو يتسوّرها كنوع من التحدي لكل الصعاب. ومنها أيضا: أزمته الاقتصادية المتمثلة في - سور- البطالة والعطالة التي عرقلت تقدمه زمنا، وكيف كان يمني نفسه أن يجد مخرجا لأزمته التي تمثل الهاجس الأول قبل كل شيء حتى ينطلق إلى الأمام، ويبني مستقبله مع رفيقة حياته التي اختارها وأحب الارتباط بها.
ومنها: سفره إلى إيطاليا
وابتلاؤه بكيد الحاقد والحاسد، واعتقاله بسبب تهمة هو بريء منها، فكان لا بد أن
يتجاوز هذا السور كذلك بعزم وعدم استسلام، أو تخاذل واتكال.
هناك عنصر أخر: هو البعد وما يحمله من معاني الحنين والاشتياق للأهل والأحباب، هو أيضا يعتبر سورا معنويا منع كريم وحجبه عن رؤية دويه.. إضافة إلى دخوله السجن حيث انقطع التواصل بينه وبين أهله وحبيبته. صار كأنه وارته أسوار الاحتجاب، خلف أسوار السجن.
إن كل العراقيل التي اعترضت طريق كريم مادية ومعنوية يمكن إجمالها في هذا المفهوم الذي هو الأسوار، فكان على كريم أن يصارع من أجل أن يتحدى هذه العوائق. بهذا تشكل الصراع داخل القصة الذي هو العنصر الأساسي في هذا الجنس الأدبي، وبه تنشأ العقدة.. ليجد لها الكاتب الحل، ويسير بها إلى لحظة التنوير.
هناك عنصر أخر: هو البعد وما يحمله من معاني الحنين والاشتياق للأهل والأحباب، هو أيضا يعتبر سورا معنويا منع كريم وحجبه عن رؤية دويه.. إضافة إلى دخوله السجن حيث انقطع التواصل بينه وبين أهله وحبيبته. صار كأنه وارته أسوار الاحتجاب، خلف أسوار السجن.
إن كل العراقيل التي اعترضت طريق كريم مادية ومعنوية يمكن إجمالها في هذا المفهوم الذي هو الأسوار، فكان على كريم أن يصارع من أجل أن يتحدى هذه العوائق. بهذا تشكل الصراع داخل القصة الذي هو العنصر الأساسي في هذا الجنس الأدبي، وبه تنشأ العقدة.. ليجد لها الكاتب الحل، ويسير بها إلى لحظة التنوير.
الشخصيات
شخصيات القصة متعددة كما قلت أنفا. هذا طبيعي لأنه كلما اتسعت مساحة الأحداث وامتدت زمنيا وتنوعت الأماكن، إلا وتعددت الشخصيات. وتلك ضرورة ملحة، لكون الشخصيات هي من ترسم الأحداث (بأفعالها وتصرفاتها وأقوالها)، سواء الشخصية المحورية أو الشخصيات الثانوية، وهذه الأخيرة بدونها يكون العمل الأدبي مبتورا وناقصا ومبسترا.
سأقتصر هنا على ذكر الشخصيات المهمة في القصة. ولا يعني عدم التركيز على الشخصيات الأخرى أني أهملها، أو أن دورها منعدم. لا بالعكس، بل أحاول أن أوجز و أن أركز على الأكثر تفاعلا والأكثر أهمية في بناء الأحداث.
● كريم هو محور القصة، وعليه تدور الأحداث. شاب طموح؛ انتقل من ظلمة البطالة إلى نور الوظيفة في بلد أجنبي. متدين، هدفه في الحياة رضا الله ثم والديه، وعملا يساعده في بناء مستقبله، ويستقر اجتماعيا بعد أن يتزوج بالفتاة التي اختارها.
● سعاد: فهي حبيبة كريم. كان يتمنى أن يتزوجها حين تنحل عقدته الاقتصادية. هي بدورها قد خصص لها الكاتب مساحة داخل القصة، فقد انفردت بجزء مهم جدا، بحيث لو أمكن القول أن الكاتب زاوج بين قصتين في قصة واحدة، قصة كريم التي هي المحور الأساسي وقصة سعاد التي هي فرع عنها ومساندة لها بشكل قوي جدا. وهذا طبعا لم يحدث إلا بعد أن تطورت الأحداث واحتدم الصراع، وتشكلت العقدة، فكان على الكاتب أن يبحث عن مساحة تابعة تستطيع أن تساند وتدعم قصته وظيفيا، وتبرر الأحداث بشكل منطقي، وتغذيها فنيا، فابتدع قصة سعاد بناء على القصة الأساسية. وهذه الطريقة تعتمدها الروايات، أو الأعمال التلفزية الدرامية. وأحب أن اثني على براعة خالد، لأنه حين قام بتفريع عقدة سعاد عن العقدة الأساسية التي هي خاصة بكريم، لم ينفلت زمام الخط الرئيسي من يده، بل بالعكس - وكما قلت سابقا- زاد الموضوع الرئيس دعامة وقوة، وساهم ذلك في تطوير القصة، وتقدم بها إلى الأمام بشكل رشيق، وممتع، مكونا عنصر التشويق... وكل هذا يحتاج كاتبا له قدرة على التفكير في اتجاهات مختلفة ومتعددة.
نعود لشخصية سعاد؛ نجدها
نموذجا للفتاة التي قاومت من أجل أن تظل وفية بوعدها، لكنها الظروف تجبر الإنسان
أن يسلك طريقا يخالف مسلك طموحه، وأماله. كانت اكراهات الحياة عنصرا مهما، أجبرت
سعاد على تغيير مسار حياتها...
● مارية موظفة إيطالية، زميلة كريم في العمل حين هاجر إلى ايطاليا. شخصية أبدت إعجابها بكريم في بدايات التعارف داخل إطار العمل، ثم تطور الإعجاب إلى أن صار نوعا من التعلق (من جهة مارية)، وإن كان الكاتب لم يشر إلى ذلك إلا عن طريق التلميح. فقد كانت تصرفات مارية اتجاه كريم تعرب عن هذا الحب، إلى أن توج في نهاية القصة بالزواج حين سمحت كل الظروف بذلك. شخصية مارية كما صورها الكاتب مرحة وناشطة؛ مرنة قابلة للتغيير والتطور بدافع فطري. فهي بمجرد أن تأثرت بأخلاق كريم حاولت أن تغير تصرفاتها إرضاء لكريم. حديثه عن دينه جعلها تبحث لتعرف الإسلام أكثر. مما أدى إلى إسلامها كما جاء في نهاية القصة. وهذا يعطينا لمحة أن المسلم سفير دينه في بلد غير مسلم، وتصرفاته لابد أن تكون إيجابية. وهذه جزئية مهمة سأتناولها فيما بعد.
● شخصية السيدة سناء، والدة لؤي، زوج سعاد؛ امرأة غنية ولها نفوذ كما ورد في القصة. لم تظهر إلا في موقفين، الأول: حين أتت لخطبة سعاد لولدها، والثاني: حين طلبت من ابنها أن يطلق سعاد. هذه الشخصية قد نضع حولها علامة استفهام لعدم وضوحها بما فيه الكفاية. فكل ما أورده الكاتب عنها غير كافي ليتحول موقفها من الإيجابي إلى السلبي. حيث أمرت ابنها الانفصال عن زوجته، لسبب واهي وهو تهاوي أسهم شركتها، فاعتبرت هذا الزواج شؤما عليها. هذا التحول لم أر له داعي، فليس منطقيا بما يكفي حتى تهدم أمٌ أسرة ابنها بسبب اعتقادها بشؤم العروس. مع العلم أنه لم يشر الكاتب إلى نوع العلاقة بين سعاد وحماتها -ولا حتى مهّد لذلك- إلا حين فاجئنا بقرارها السلبي، وبشكل غير مقنع.
تبقى شخصية سناء رمزا للطوارئ التي تهدد حياة الإنسان سلبا، وتغير مسارها من رفاهية إلى ضيق. هي الأيام دول...
● لؤي تزوج سعاد بعد مباركة والدته، ثم تحدى رغبتها حين أمرته بالانفصال عنها، لأنه أحبها، ولم يستطيع أن يطلقها. شخصية لؤي مسالمة، ثابتة على موقفها. رغم كل المتغيرات ظل لؤي متشبثا بمبدئه، وإن كان وحيد والدته. وهذا قد يحيل الفهم على أنه تربى تربية مدللة، لكنه رغم هذا اثر الحب مع الفقر على الطلاق مع الغنى. ولعل الكاتب اختار لهذه الشخصية اسم "لؤي" لما يحمله من دلال، كما أنه يعبر عن الطبقة الغنية التي ينتمي إليها.
اللغة، الأسلوب، الحوار:
نأتي إلى لغة
القصة؛ نجدها لغة مترابطة، سهلة غير متكلفة، بعيدة عن الأسلوب الشاعري العميق،
مؤدية دورها بما فيه الكفاية، ومكثفة في بعض الأحيان.. وإن كان الأسلوب التقريري
يغلب عليها كطابع - وقد أرجِع هذا إلى تأثر الكاتب بأسلوب المقالة- إلا في الرسائل
العاطفية التي كانت بين كريم وسعاد فإنها تستثنى من هذا، بحيث أن الكاتب اختار
الكلمات المناسبة والمؤدية للمعنى العاطفي كما هو.
أما اللغة التي جرت على لسان والديه ضمن الحوار، فهي غير متوافقة مع شخصيتيهما، فالمفروض أن الشخصية كي تكون مقنعة، لابد أن تعبر عن لغتها الخاصة، لكن الكاتب جعل الحاج أحمد وزوجه يتحدثان لغة فصيحة وبليغة، كقول الأم: "أهناك أمر جلل حدث ونحن لا نعلمه؟". وقول الأب: "لا تخافي ولا تجزعي". علما أن المجتمع المغربي يستخدم الدارجة المغربية. لهذا كان على الكاتب أن يجعل لغة الأب والأم أقرب إلى الواقع. ولست اقصد أن يجعلهما يتحدثان بالعامية، (مع إمكانية ذلك) لكن كان عليه أن يحسن اختيار مصطلحات بسيطة جدا تناسب شخصيتيهما، وثقاتهما الشعبية المغربية. "اللغة الوسيطة" في الحوار أظنها أفضل، وتجعل الشخصية تحاكي الواقع أكثر.
لجأ الكاتب للحوار عند الحاجة إليه، مريحا نفسه من رتابة السرد، وبه رسم ملامح بعض الشخصيات، لأن الحوار قد يكون مؤديا وظيفة أقوى بكثير من كثرة السرد. لهذا فالقصة لم تخلُ من الحوار، كحوار كريم مع والديه، ومع سعاد، كحواره مع الموظفين، ومع المحامي.. وحتى مشهد المحكمة أتقن الكاتب عرضه، فجعل كل شخصية تعبر عن نفسها ضمن الحوار الطويل، وتعبر عن انفعالاتها أيضا.
قراءة:
مما لا شك فيه أن مقدمة القصة جاءت منفردة ومتقدمة على السياق، بحيث أنها أتت كتمهيد لما سيتلوها من أحداث، خاصة وأنها عرضت بإيجاز مشهدا داخل القصة، وهو مشهد كريم داخل زنزانة السجن، حين كان يقرأ رسالة سعاد، ويتجرع الحسرة والألم. وقد نحيل تعمد الكاتب إدراج هذه المقدمة إلى أنه ربما لاستفزاز فضول القارئ أو تشويقه لمعرفة باقي التفاصيل. وقد جاءت هذه المقدمة كأنها تعرض لحظة بلوغ صراع القصة ذروته.
نستطيع بعد قراءة متأنية في القصة أن نشير إلى عدة أشياء برع الكاتب في تضمينها في السياق، فكما نعلم أن كريم شاب مغربي، حاصل على شهادة جامعية، إضافة إلى دبلوم في برمجة المعلوميات، يعاني مشكل البطالة لقلة فرص الشغل.. سفره إلى ايطاليا للعمل كان أحسن فرصة في حياته جاءته بعد بحث مضني، وصبر. تفاجأ كريم بجو ملائم للعمل في إيطاليا لأن الشركة التي عين بها تعتني بموظفيها، وتتيح لهم فرصا للعطاء والإبداع، وتهيئ لهم وسطا يساعدهم على العمل بجد، من خلال توفير المسكن ووسائل النقل، والمحفزات.. وهذا نموذج ربما لتفوق تلك الدول ونجاحها. كما أن كريم كان مخلصا في عمله لدرجة أنه تفوق على زملائه ممن سبقوه في الوظيفة بكثير. من هنا يمكن القول أن الكاتب يشير إلى أن الشباب المغربي لا تنقصه الخبرة والقدرة على العطاء، بل ما ينقصه هو أن تتاح له فرص العمل المتلائم مع ما درسه في الكلية من تخصص أو في معهد معين. كما أنه إن أتيحت له فرص العمل فلابد من توفير مناخ يعين على العطاء والإبداع، والتحفيز على البذل.. ولو أن كريم وجد في وطنه عملا يلائم طموحاته لكان بلده أولى بمجهوده وإخلاصه وتفانيه في العمل..
جاء في القصة أن كريم شاب ملتزم ووقّاف عند حدود الشّرع، هذا يتضح للقارئ في مواقفه المتعددة: في تعامله مع زميلته مارية، وكذا في امتناعه عن شرب الخمر، إضافة إلى أن الكاتب قد حاول تشكيل ملامح الشخصية المسلمة المتزنة من خلال الوسط الذي كبرت فيه. بداية بالحاج أحمد والد كريم الذي يرتاد المساجد؛ والوصية التي أوصاه بها عندما أزمع على الهجرة إلى ايطاليا. - إيمان كريم بقضاء الله وقدره. فلما ابتلي بالسجن دار الحديث بينه وبين مارية فاستدل بحديث للرسول - صلى الله عليه وسلم. هذه المواقف تصب في بوتقة واحدة، ولعل الكاتب لم يأت بهذا اعتباطا، بل هو يشير مما لا شك فيه إلى أن المسلم سفير لدينه في أوطان غير مسلمة، وهذا ما صرح به على لسان كريم: ( فالمسلم هو سفير لدينه في حلّه وتِرحاله)، هذا طبعا لا يكون بالكلام فحسب، بل من خلال المعاملة والإخلاص والتفاني في العمل، وإبراز جوانب الدين بما فيها من جمالية، وغايات تعتني بالإنسان، مسلما كان أو غير ذلك. فـ (الدين المعاملة). جسد الكاتب أخلاق وسلوك المسلم في شخص كريم الذي لم ينبهر بالحضارة الغربية المتقدمة، بل سايرها واحتفظ بمبادئه وقيمه الإسلامية، ولم ينزلق في مزالق الانحراف الذي يعتبره البعض تقدما. كانت تمرة هذا السلوك القويم أن زميلته تأثرت به أشد التأثر، فبحثت عن سر هذا الدين – حين حدثها عنه كريم- فما كان منها إلا أن اعتنقته. أظن أن الكاتب أشار في هذه الجزئية إلى أن أي مسلم في بلاد الغرب هو صورة لدينه، فليحسن سلوكه حتى لا يسئ إلى إسلامه، وربى دعوة حال كانت أبلغ من دعوة مقال.
وتعالج القصة أمرا آخر، لا يقل أهمية، آلا وهو العلاقة التي قد تجمع بين اثنين مهما كانت قوية فإن الأيام بما تخفيه من خطوب كفيلة بأن تغيرها، هاهي سعاد أجبرتها الظروف أن تتزوج بشخص اخر بعدما حاولت بكل وسائلها الممكنة أن تتصل بكريم، لكنها لم تحصل على رد، أحيانا تكون الظروف أقوي من كل مخططات الإنسان وتوقعاته. وإن القصة قد اعتمدت على عنصر المفاجئة في مواطن كثيرة، من ضمنها عدم نهايتها بزواج كريم بسعاد، وزواجه من مارية التي قد يستبعد القارئ هذه النهاية من ذهنه، خاصة عندما تطورت الأحداث بشكل مخالف لما قد يكون متوقعا: أن سعاد لكريم. لهذا فالظروف تحكم ولها سلطانها، ولكل ابن أدم من أيامه نصيب.
إن قصة خالد أبجيك جمعت بين الواقعية بعرضها لواقع الشباب الملتزم والاكراهات التي تعترض طريقه، وبين المبالغة في رسم مجتمع يكاد يقترب من المثالية من خلال الجو العام الذي يؤطر العلاقات بين الشخصيات، مع أن الكاتب حاول إيجاد مساحة لبعض المنغصات، مثل الموظف الذي لم يرق له ترقية كريم، والذي دبر له مكيدة حتى يرسله إلى السجن.. لكنها لم تكن كافية لعرض الواقع بما فيه من أمور تحدثها الطبيعة البشرية. لهذا فربما طابع المثالية غالب على القصة خاصة من البداية حين قرأ كريم الرسالة الايطالية في مقهى الانترنت، ثم علاقته مع موظفي الشركة، إضافة إلى الحوار الذي دار بينه وبين لؤي.. بحيث أجد أن أي زوج لن يكون سعيدا للدرجة التي صورها الكاتب، حين يكتشف أن زوجته كانت تحب شخصا أخر، وسمت ولدها باسمه، وهو من دفع تكاليف العملية، ثم يقبل أن يعمل لديه في شركته.
لم ينتبه الكاتب إلى أمرين في قصته، الأول - قد سبق أن ذكره الأخ أحمد خيري في نقده- يتجلى في قراءة مارية للرسالة التي كتبها كريم إلى سعاد، فالمفروض أنه سيكتبها بالعربية وليس بالإيطالية، والمفروض كذلك أن مارية لا تتقن العربية، فإن كان غير ذلك فإن الكاتب أغفل هذا الجانب وركز على فضول مارية ومضمون الرسالة فقط. فكانت هذه ثغرة بارزة في الحبكة.
أما الأمر الثاني، فهو تصوير حالة كريم عندما عاد مباشرة من إيطاليا - وحين كان يراقب سعاد مع طفلها- أنه يسوق سيارة فاخرة. هنا نصوغ سؤالا: متى اقتنى كريم سيارته؟، خاصة إن علمنا أن الكاتب كتب قائلا: "استقل الطائرة، وعاد إلى المغرب، هناك، توجه مباشرة نحو منزل والديه..". ثم بعد زيارة والديه زار والدة سعاد، ومنحته عنوان ابنتها.. نرى هنا أن الكاتب لم يهتم بالزمن الذي كان بين الوصول والزيارات، بحيث أن أحداث الزيارات، جاءت متتالية ومتعاقبة في زمن قصير جدا - أو هكذا يبدو- فمتى اقتنى كريم سيارته الفاخرة؟
ربما رغبة الكاتب في إظهار حالة كريم الجديدة بعدما أخذ التعويض (سيارة فاخرة)، جعله يغفل عن هذه الجزئية التي لا تؤثر على القصة، لكنها تستفزني أن أطرح سؤالا ضمنيا، مادام الكاتب لم يومئ، ولو تلميحا إلى ما يجعلنا نستخلص الإجابة.
في الختام أريد أعترف أني حصلت على متعتين. الأولى متعة القراءة والاندماج مع الأحداث. والثانية متعة النقد والدراسة المتواضعة.
كما أن قصة خلف الأسوار تؤكد لنا أن خالد أبجيك قادر أن يؤلف رواية، وأن ينتقل من كتابة القصة القصيرة إلى جنس الرواية ، وأنا هنا أشجعه أن يفكر ويهتم بالأمر، مادام مؤهلا لذلك، ولديه كل الإمكانيات والآليات التي تحتاجها الرواية الطويلة. والله تعالى والموفق والمعين.
طرفة:
يبدو أن خالد يحب الحلوى
ويعشقها بشكل هستيري، فقد كرر ذكرها في القصة عشر مرات :)
رشيد
أمديون
نقد جميلٌ و بنّاء .
ردحذفو أعجبتني الطرفة الأخيرة :)
السلام عليكم
ردحذفأشكرك أخي رشيد على هذا العمل القيم الذي لا يقل روعة عن القصة موضوع القراءة النقد للأخ خالد أبجيك ...
لقد تمكنت بفضل قراءتك هذه من استجماع خيوط هذه الرواية القصة الطويلة التي لم أتمكن من قراءة كل حلقاتها للأسف الشديد....
أهنئك على سلامة لغتك وروعة أسلوبك و رهافة حسك و أتمنى لك التوفيق في هذا المجال
ملاحظتنان :
فاتك هنا الاشارة بصراحة لإمكانية إدراج هذه القصة في خانة الأدب الإسلامي ...
الناقد ليس مطالبا بإثبات حسن نيته قبل التصدي لنقد أي عمل أدبي لأنه لم يعد ملكا لصاحبه بعد أن ينشره - و إن كنت أتفهم مبادرتك - و هو يترك ذلك للقاريء
تحياتي لك و لصاحب القصة