الحرية لعلي أنوزلا

السبت، 24 يناير 2009

الجيش الإسرائيلي وأخلاقيات الحرب


لا يختلف أحد منا على أن الحرب يلجئ إليها أصحابها دفاعا عن أراضيهم في وقتنا الراهن، بعدما كانت وسيلة للتوسع على حساب الآخرين جراء البحث عن الموارد الأولية من النهوض بدولهم في الماضي.
لهذا، وجراء ما تُلحق هذه الحروب من دمار سواء على المستوى العمراني أو الإنساني، دق ناقوس الخطر في المنتظم الدولي من أجل وضع آليات تنظم الحروب حتى لا ينقرض الجنس البشري، وهذا الأمر ظهر جليا بعد الحرب العالمية الثانية، حيث وقعت اتفاقيات دولية تعتني أكثر بحقوق الإنسان، بعدما شهدت الحروب الماضية خروقا لها.. فكان البروتوكول الإضافي الثاني الملحق باتفاقيات جنيف الموقعة في 12 أغسطس / آب لسنة 1949 الذي ينص على أن السكان المدنيون والأشخاص المدنيون يتمتعون بحماية عامة من الأخطار الناجمة عن العمليات العسكرية، ويجب لإضفاء فاعلية هذه الحماية مراعاة القواعد التالية دوما:
- لا يجوز أن يكون السكان المدنيون بوصفهم هذا ولا الأشخاص المدنيون عموما محلا للهجوم، وتحظر أعمال العنف أو التهديد به الرامية أساسا إلى بث الذعر بين السكان المدنيين.
- يتمتع الأشخاص المدنيون بالحماية التي يوفرها هذا الباب، ما لم يقوموا بدور مباشر في الأعمال العدائية. ثم تأتي المادة 14 من الاتفاقية كي تنص على حماية المنشآت التي لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين على قيد الحياة. ويحظر تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب القتال. ومن ثم يحظر، بناء على ذلك، مهاجمة أو تدمير أو نقل أو تعطيل المنشآت والمواد التي لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين على قيد الحياة، مثل المواد الغذائية، والمناطق الزراعية التي تنتجها والمحاصيل والماشية، ومرافق مياه الشرب وشبكاتها وأشغال الري.
بينما نصت المادة 15 على حماية الأشغال الهندسية والمنشآت المحتوية على قوى خطرة ألا وهيالسدود والجسور والمحطات النووية لتوليد الطاقة الكهربائية، فيجب ألا تكون محلا للهجوم حتى ولو كانت أهدافا عسكرية، إذا كان من شأن هذا الهجوم أن يتسبب في انطلاق قوى خطرة ترتب خسائر فادحة بين السكان المدنيين.
وتأتي المادة 16 كي تنص على حماية المنشآت الثقافية وأماكن العبادة حيث جاءت فيها: يحظر ارتكاب أية أعمال عدائية موجهة ضد الآثار التاريخية، أو الأعمال الفنية وأماكن العبادة التي تشكل التراث الثقافي أو الروحي للشعوب، واستخدامها في دعم المجهود الحربي، وذلك دون الإخلال بأحكام اتفاقية لاهاي بحماية الأعيان الثقافية في حالة النزاع المسلح والصادرة في 14 مايو (أيار) 1954.
أما المادة 17 وهي الأخيرة فقد حظرت الترحيل القسري للمدنيين: لا يجوز الأمر بترحيل السكان المدنيين، لأسباب تتصل بالنزاع، ما لم يتطلب ذلك أمن الأشخاص المدنيين المعنيين أو أسباب عسكرية ملحة. وإذا ما اقتضت الظروف إجراء مثل هذا الترحيل، يجب اتخاذ كافة الإجراءات الممكنة لاستقبال السكان المدنيين في ظروف مرضية من حيث المأوى والأوضاع الصحية الوقائية والعلاجية والسلامة والتغذية.
وتأتي اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب الصادرة في 12 أغسطس (آب) 1949 في المـادة (20) التي نصت على وجوب احترام وحماية الموظفين المخصصين كلية بصورة منتظمة لتشغيل وإدارة المستشفيات المدنية، بمن فيهم الأشخاص المكلفون بالبحث عن الجرحى والمرضى المدنيين والعجزة والنساء النفاس، وجمعهم ونقلهم ومعالجتهم. هذا فيما يخص الاتفاقيات التي جاءت كي تحمي حقوق المدنيين والموظفين العاملين في الإغاثة.
أما فيما يخص الأسلحة المحظورة أثناء الحرب لما لها ضرر كبير على الإنسان المدني وكل كائن حي يكون في مكان الحرب، فقد جاءت اتفاقيات دولية عديدة تحظر بعض الأسلحة وأهمها:
- القنابل الفراغية: وهي قنابل تمتص الأوكسجين في المحيط الذي تسقط فيه وتتسبب بانخفاض في الضغط يؤدي إلى انهيار المباني.
- قنابل النابالم: نوع آخر من القنابل الحارقة يقوم خصوصا على مادة النابالم المصنوعة من نوع من الوقود تم اختراعه في جامعة هارفرد في 1942. وتهدف تركيبتها إلى إلحاق حرائق وحروق تلتصق بالأشخاص والأشياء. وحظرت اتفاقية للأمم المتحدة في 1980 استخدامها ضد السكان المدنيين.
- القنابل الانشطارية: قنبلة تنفجر قبل بلوغ هدفها متسببة بآلاف الشظايا التي تتطاير بسرعة هائلة في أنحاء مختلفة أو محددة، بحسب المطلوب. ولا تشكل الشحنة المتفجرة بشكل عام إلا ربع وزن القنبلة أو أقل. أما ما تبقى من العبوة، فهو ينقسم إلى عدد لا يحصى من الشظايا القاتلة والحارقة.
- القنابل العنقودية أو "كلاستر بومب": قنبلة انشطارية حديثة الصنع، مؤلفة من مستوعب رئيسي يطلق في الجو مئات القنابل الصغيرة على مساحة واسعة جدا تنفجر لدى ارتطامها بالأرض.
- القنابل الفوسفورية: وهي قنابل حارقة بالفوسفور (الأبيض أو الأحمر) المستخدم بشكل واسع خلال ومنذ الحرب العالمية الثانية. ويشتعل الفوسفور الأبيض بشكل تلقائي في الجو عندما تصل درجة الحرارة إلى 34. والفوسفور الأحمر أكثر ثباتا، لكن يجب توخي عناية فائقة في استخدامه.
ما عرضناه من تلك الحقوق التي كفلتها المواثيق الدولية بخصوص حقوق الإنسان أثناء الحروب، ضربت بها إسرائيل عرض الحائط، وهي التي كانت تتبجح بأنها تحترم الحقوق وتُعمل الديمقراطية في كل شيء.
من تتبع الحرب على غزة، سيشاهد تلك القنابل التي كانت تطلق من طائرات الأباتشي وإف 16 تطلق شهبا غير عادية، تنشطر إلى عدة قطع ملتهبة، هذا النوع من القنابل هو ما يطلق عليه بالقنابل الفوسفورية المحظورة دوليا، والتي سبق وأن عرّفناها. كان من مخلفاتها أكوام متفحمة من البشر من بينهم أطفال ونساء وشيوخ، لا ذنب لهم إلا أنهم جعلوا مساكنهم المتواضعة ملجأ لهم ومكان للاختباء من هول القصف، ولم يكن لديهم أي سلاح إلا سلاح الإيمان في مواجهة هذا العدوان.
أبانت الحكومة الصهيونية على أنها فوق القانون، وفوق كل الأعراف والمعاهدات الدولية بخروقاتها السافرة على حقوق الإنسان، فلا يوجد في قاموسها الرحمة أو الشفقة على المدنيين العزل، كل ما تعرفه هو أن تقضي على "الإرهاب" بمفهومها، كيفما كانت الأحوال والوسائل. حتى مجلس الأمن الدولي، صدر قبل يومين قانون يلزم إسرائيل بالوقف الفوري للحرب، إلا أنها لم تعره اهتماما، واستمرت على غيّها وجبروتها، والضحية هم السكان المدنيون في قطاع غزة.
لكن "الخير" الوحيد في هذا الشر، هو التحام جميع الشعوب العربية والإسلامية على هذا الأمر، فباتت قضية القطاع قضية وطنية وإسلامية، بل عالمية.. قضية عزة وكرامة وحقوق الإنسان. هذا التوحد لم تستطع الأنظمة العربية أن تحققه، فحققه الجيش الصهيوني بغزوه. الآن، بتنا نرى مسيرات حاشدة تجوب مختلف أرجاء العالم، وصوت واحد يقول: أوقفوا الحرب، أوقفوا المحرقة.. فأصبحت غزة رمزا للعزة، حتى أن هناك من المحللين من يقول بأن هاته المسيرات أعطت الشرعية للمقاومة، وبهذا خفقت الآلة الصهيونية في تشويه سمعة هؤلاء الشجعان البواسل. فكسبت المقاومة تعاطفا كبيرا من أطياف سياسية مختلفة في أرجاء العالم، وبتنا نسمع عن الدفاع الشرعي والمقاومة الشرعية للاحتلال...، ووحدت قلوب ملايين المسلمين في العالم، وأشعلت فيهم الحماسة للدفاع عن غزة الصامدة، وبدؤوا ينادون بفتح الحدود للجهاد، بعدما كانوا في سبات من قبل، لكن كما يُقال: "بلغ السّيل الزُّبى".
تم بحمد الله يوم الثلاثاء 13 يناير 2009
ملحوظة: تم نشره لأول مرة في منتديات نقاش الحب على هذا الرابط

الجمعة، 23 يناير 2009

جامعة الدول العربية بين الواجب و...؟؟

لا تمر ساعات إلا ونسمع ونشاهد عبر القنوات الفضائية استشهاد عدد لا يستهان به من المواطنين الأبرياء، لا ذنب لهم إلا أنهم من ساكنة قطاع غزة. لا تمر ساعات إلا ونشاهد مسيرات حاشدة عبر العالم تطالب بوقف إطلاق النار وانسحاب الجيش الإسرائيلي من القطاع فورا وبدون قيد أو شرط.
لكن، أين جامعة الدول العربية من كل هذا؟؟ شيء مخزي أن نرى أصحاب القرار في بلداننا العربية يجلسون في كراسي وثيرة ويشاهدون المجازر وهم يتناولون الطعام ويشربون الشراب.. لم يكلف واحد منهم نفسه أن يصرح أمام العالم أن هذا العدوان الغاشم يستدعي الردع فورا من قبل الأمم المتحدة. لم يكلف واحد منهم نفسه أن يكون مثلا يحتذى به، ويقطع كل علاقته بالكيان الصهيوني. عجبا، ألستم مسلمون؟ ألا يجمعكم دم العروبة والدين؟ أين أنتم عندما تلقون وجه رب كريم، ما حجتكم إذا سُئلتم عما فعلتموه من أجل نصرة إخوتكم في قطاع غزة؟ بالله عليكم، كيف ستنظرون لأنفسكم آنذاك.. لا تنتظروا أن يستغيث أهل القطاع ويقولون: "وامعتصماه"، فالمعتصم مات يوم كان الرجال، أما معتصموا اليوم، فالنوم هو دَيدَنهم، وتقبيل الأعتاب الشريفة "للماما سام" هو أسمى الغايات.
قال النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيحين: " مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى" . وقال أيضا عليه الصلاة والسلام : "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا، وشبك بين أصابعه" .
لست أدري هل سبق لقادتنا "الأشاوس" أن سمعوا بهاته الأحاديث النبوية الشريفة، أم أن ثقافتهم كانت غربية..!!
مر على بداية العدوان الغاشم، أحد عشر يوما، وصل فيها عدد الضحايا الفلسطينيين إلى 700 شهيد، و قرابة 3000 جريح، ولحد الساعة لم تنعقد القمة العربية "العاجلة"، أتنتظر أنظمتنا حتى تباد ساكنة القطاع عن بكرة أبيها، أم أنهم ينتظرون إبادة رجال المقاومة وكسر شوكتهم حتى يهبوا من مرقدهم؟؟ أسئلة تُلِح عليّ بشدة، وأخاف أن أجيب عنها، لأن أحلاها مُر.
كنت أبحث عن أعذار لأنظمتنا "الرائعة والحامية لنا" مصداقا لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "التمس لأخيك بضع وسبعون عذرا"، لكن وجدتُني عاجز، لماذا، لأن قادتنا "الأشاوس" يمتلكون من القدرة على ردع الصهاينة ما تنتفي معه كل الأعذار.
شاهدت اليوم على إحدى القنوات ما قام به الرئيس الفينزويلي "تشافيز" تضامنا مع غزة، حيث طرد السفير الإسرائيلي من بلده. لن أخوض في الحديث عن حيثيات هذا التصرف، ولو أن الجميع يعلم أن "تشافيز" يكره رئيس الولايات المتحدة، وإسرائيل. لكن ما أعجبني في هذا الأمر، أن هذا الرجل قام بعمل جريء لم يقم به أحد من قادتنا، وهو الذي لا يمت بصلة قريبة أو بعيدة للفلسطينيين، فلا الدم يجمعه بهم، ولا الدين، ومع ذلك، طرد السفير الإسرائيلي.
لا أخفيكم سرا أن هذا الفعل راقني بشدة، وَوَدِدْتُ لو أنظمتنا العربية تحدو حذوه، وتعطينا أملا بأنهم مازالوا أحياء، ولديهم العزة والنخوة كي يدافعوا عن إخوانهم المحاصرين. وأن يتذكروا قول الله سبحانه وتعالى:"كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً ۚ يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَىٰ قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ".وقوله سبحانه: " وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ".
فهل هناك قلب سليم سيعي ما قلته وما يقوله الملايين من الشعوب المقهورة والمغلوبة على أمرها، أم سيُطوى هذا الكلام كما طُوي العديد مثله؟؟ المستقبل هو الوحيد الكفيل بالإجابة عن هذا السؤال..
تم بحمد الله
يوم الأربعاء 7 يناير 2009
ملحوظة: تم نشره في منتديات نقاش الحب على هذا الرابط

الأنظمة العربية وإرادة الشعوب


منذ بداية الحرب على قطاع غزة، هبت فلول الشعوب العربية والإسلامية، وحتى الأحرار من بقية بلدان العالم تستنكر ما يجري في غزة، تصدح بحناجرها، وتُسمع للعالم كلمتها وإرادتها القوية في وقف العدوان على ذاك الشعب المحاصر في القطاع لأزيد من سنة، ومحروم من أبسط مقومات العيش.
هبت هاته الشعوب بتلقائية وعفوية، لم تنتظر تصريح ساسَتِها أو أنظمتها من أجل التعبير عما يجول في صدورهم، بل خرجت ولسان حالها يقول: "كفى من العدوان"، "كفى من الحصار". خرجت هذه الجموع وهي تدري أنها لا تستطيع فعل أي شيء، اللهم توصيل شعورها الصادق واستنكارها الشديد على ما يحصل في تلك البقاع المقدسة للشعب الفلسطيني، وإمدادها بشحنة معنوية كبيرة من أجل مواصلة الصمود والمقاومة حتى النصر بإذن الله.أما أنظمتنا العربية، فيا ليتها تحدوا حذو شعوبها وتخرج عن صمتها المخزي. فنحن في اليوم التاسع من الحرب ولم نسمع أو نر أي موقف عربي موحد في هاته القضية.
اجتمعت قمة دول الخليج، تلتها قمة وزراء الخارجية العرب، أما القمة التي ينتظرها الجميع، فلم تنعقد لحد الساعة "قمة جامعة الدول العربية". أليس من العار ونحن نعيش ونر هذا الاحتلال الغاشم، وننتظر التشاور متى ستنعقد القمة؟. كان المفروض أن تنعقد يوم الجمعة الماضي، بحجة الاستعجالية، وبسبب خلافاتهم أجلت إلى أجل غير مسمى. فأصبحت بذلك أضحوكة، وفقدت مصداقيتها تماما.
ولقد علمتنا القمم السابقة، أن لا جدوى من الاجتماع إن كانوا سينددون ويستنكرون فقط، دون وضع خطط عملية ملموسة على أرض الواقع، وليست حبرا على ورق. سنكون واقعيين بعض الشيء، أنظمتنا لا تستطيع أن تجعل الخيار العسكري هو الحل الأمثل من أجل فك الحصار وإيقاف هاته الحرب الغاشمة على غزة، لأنها مكبلة اليدين والرجلين، ولأن قوتها الدفاعية مجتمعة لن تضاهي قوة الولايات المتحدة، وحلف النيتو. لكن نطلب فقط كما فعلوا في حرب أكتوبر، أن يقوموا بوقف ضخ البترول والغاز الطبيعي في شريان الاقتصاد العالمي. قد نتأزم لفترة، لكن نحن ألفنا الأزمات الاقتصادية "والحمد لله" في بلداننا، فلن نتأثر بها كثيرا، بخلاف الدول الغربية التي تعتمد كلية على هذان المكونان الطبيعيان في اقتصادياتها. لو أوقفنا فعلا البترول والغاز، لرأينا الولايات المتحدة ومجلس الأمن يصدرا قرارا فوريا بوقف العدوان وفتح المعابر دون قيد أو شرط، خصوصا في هاته الظرفية العصيبة جدا التي يعيشها الاقتصاد العالمي ببركة دولة "العم سام".هذا مجرد حلم الشعوب العربية والإسلامية المستضعفة، فهل ستجد من يحققه لها، أم أن هذا الحلم هو أيضا سيُعدم كما أعدمت العديد من أحلامه؟؟
تم بحمد الله
يوم الأحد 4 يناير 2009
ملحوظة: تم نشره لأول مرة بمنتديات نقاش الحب على هذا الرابط

بداية الغزو البري: النصر أو الشهادة

بدأت الليلة العمليات البرية الإسرائيلية الغاشمة على قطاع غزة الصامد والشامخ أمام هاته الهبة الصهيونية. بدأت والقادة الصهاينة يمنون نفسهم بالنصر وربح رهان تجفيف منابع "حماس" وتنظيم المقاومة بالتبعية، لكن نسوا أو تناسوا ما وقع لهم في حرب تموز على جنوب لبنان في شخص "حزب الله"، نسوا أن الخسارة التي منوا بها هناك ستلحقهم، إن شاء الله، في القطاع، لماذا وكيف؟؟ لسبب بسيط، هو أن رجال المقاومة البواسل وضعوا نصب أعينهم الشهادة في سبيل الله، فهم من الوهلة الأولى وباختيارهم طلبوا الشهادة، فهم لا يأبهون بالموت لأنه أمر غريب عنهم، وسُبة في حقهم أن يخافوا أو يتراجعوا أمام العدو.
وديننا الحنيف يعلمنا ويعطينا اليقين، بأن شهداءنا أحياء عند المولى عز وجل، مع الأنبياء والأصفياء، والصديقون من خلقه، يشاهدوا كل ما يحدث ويستبشرون خيرا لأولئك الذين يحذون حذوهم في طلب الشهادة، بأن لا خوف عليهم، وأن مصيرهم الجنة، بإذن الله، وأجر عظيم، في قوله سبحانه:"ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون . فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون . يستبشرون بنعمة من الله وفضل وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين ".
هذا هو الفرق بين المجاهد الفلسطيني الصادق، وبين الصهيوني المقيت. الأول يطلب الشهادة ويمني نفسه في أي لحظة بأن يحظى بهذا الشرف. والثاني، ير الحياة نصب عينيه كأنه سيعيش أبدا، ولا يُدخل في مخيلته أن الموت لاحقه. لكن هيهات، هيهات، الموت مدركهم ولو كانوا في بروج مشيدة مصداقا لقوله تعالى: "أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ ".
وهذا ما لاحظناه جليا قبل يومين، عندما سقط صاروخ في إحدى المستوطنات وكان بالمصادفة يزورها أحد الوزراء الإسرائيلين، سقط بقربهم فذعر الجميع واختبئ هذا الوزير أسفل سيارته. تناقلت هاته الصورة جل وسائل الإعلام العالمية، لتظهر مدى جبن هؤلاء، يخافون من صواريخ بدائية الصنع لكن عند أصحابها شُهب تقذف حمما. وبالمقابل، شاهدنا اليوم والبارحة صواريخ تحمل أطنان من المتفجرات تسقط على ساكنة غزة، ولم تفت من عضد هؤلاء شيئا، بل بالعكس، يطلبون الشهادة في كل وقت وحين، حتى إذا أمسوا ظنوا أنهم لن يصبحوا، وإذا أصبحوا ظنوا أنهم لن يمسوا..
تم بحمد لله
يوم 03 يناير 2009
ملحوظة: تم نشره لأول مرة في منتديات نقاش الحب على هذا الرابط