الحرية لعلي أنوزلا

الخميس، 14 مايو 2009

سخرية الحياة




كان في العقد الستين من العمر، قصير القامة، أشيب الشعر، يلبس نظرات طبية، يمشي على غير هدى، مطأطئ الرأس، وعلامات الحزن بادية عليه، ويداه وراء ظهره. لم يدر كم من الوقت مر وهو يمشي، لكنه وجد نفسه فوق تلة صخرية تطل على بحر متلاطم الأمواج، جلس عليها ونظراته تجوب هذا العالم المليء بالأسرار. لم يكن لوحده، فطيور النورس كانت أنيسه في ذاك المكان، تطير هنا وهناك باحثة عن طعام دسم يسد رمقها ذاك اليوم، وعلى مقربة منه كان صياد في مقتبل العمر، طويل القامة، أسمر البشرة، يمسك بصنارة حديثة الطراز، يقف في شموخ ينتظر هو أيضا ما سيجود به البحر من طعام. أخذ يتأمله للحظة، ثم قرر الذهاب إليه حتى ينفض عنه تلك الوحدة التي تكاد تخنقه.
وقف وراءه وقال: مرحبا.. أرجو أن لا أكون أزعجتك..
لم ينتبه إليه ذاك الصياد، كأنه لم يسمعه. فاقترب منه حتى جاوره، وأشار بيده نحوه مسلما عليه: استسمحك عذرا إن اقتحمت عليك خلوتك، لكن كنت بحاجة إلى من أتكلم معه..
سلم عليه الصياد بأدب وابتسامة تعلو محياه، تم عاد بطريقة آلية إلى قصبته ورماها بعيدا..
آه.. ثم آه.. يا ليت الشباب يعود يوما.
قال هذا الكلام، وهو ينظر إلى هذا الشاب، ثم استرسل:
لو عدت ثلاثين سنة للوراء، لما فكرت مجرد التفكير في الزواج، لما لاقيته من زوجتي التي كنت أحبها حبا ندمت عليه الآن.. تصور، وفرت لها كل شيء من مأكل وملبس ومسكن، ولا كلمة شكر واحدة، لم أسمعها منها طوال فترة زواجنا، كل ما كنت أسمعه، جملة واحدة: "أنت لا تصلح لشيء.. هذا لا يكفي.. متطلبات الأولاد زادت.. انظر إلى جارتنا ابتسام، تسكن في فيلا فارهة.." هذا هو ديدنها كل يوم.. حتى بت لا أطيق الدخول للمنزل مخافة أن أجد طلبات جديدة.. لست أدري لماذا تتصرف معي بهذا الشكل.. أتظنني بنكا يفرخ النقود، ما أنا سوى متقاعد من وظيفة بسيطة. أحمد الله على أني قمت بتربية أبنائي أحسن تربية حتى دخلوا الجامعة، والآن يشقون طريقهم.. لكنها مع ذلك لا ترى هذا إنجازا، تريد المزيد والمزيد من النقود..
تصور اليوم، قالت لي: إذا لم تشتري ذاك الفستان الأحمر مثل الذي ترتديه جارتنا سارة، لن أكلمك أسبوعا. لم أستطع الصمود، فخرجت غاضبا وصفقت الباب من ورائي، وها أنذا أمامك، حائرا، لا أدري كيف سأتعامل مع هذه الزوجة اللحوح..
عذرا، أنستني همومي أن أعرّف بنفسي، اسمي مراد، وأنت؟؟
ظل الشاب واقفا ممسكا بصنارته كأنه لم يسمعه، حتى ضغط مراد على كتفه بهدوء وقال له: هل لي أن أعرف اسمك، أنا اسمي مراد، وأنت؟؟
ابتسم الشاب بلطف وأشار بأصابعه موضحا أنه لا يسمع ولا يتكلم. اعترت الدهشة مراد، ثم ابتسم بعد ذلك وقال: لا عليك، المهم أني أزحت عن كاهلي هما كان يؤرقني طوال هذه الأيام.. فشكرا لك. ثم تركه وانصرف.


تمت

هناك تعليق واحد: